العالم المستبحر الحافظ ختام علماء الأندلس، أحد الأعلام
ولد بإشبيلية ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة
وأبوه أبو محمد من فقهاء بلدة إشبيلية ورؤسائها حصلت له عند العبادية أصحاب إشبيلية رياسة ومكانة.
ولما انقضت دولتهم خرج أبو بكر مع والده إلى الحج وله إذ ذاك نحو سبعة عشر عاماً وكان قد تأدب ببلده، وقرأ القراءات.
لقي بمصر أبا الحسن الخلعي، وأبا الحسن بن مشرف، ومهديا الوراق، وأبا الحسن بن داود الفارسي.
ولقي بالشام أبا نصر القدسي، وأبا سعيد الزنجاني، وأبا حامد الغزالي، وأبا سعيد الرهاوي، وأبا القاسم بن أبي الحسن المقدسي، والإمام أبا بكر الطرطوشي، وبه تفقه، وغيرهم.
ودخل بغداد فسمع بها من ابن الطيوري، ومن أبي الحسن البزاز وأبي بكر بن طرخان في آخرين
وحج في موسم سنة تسع وثمانين، وسمع بمكة من الحسين بن علي الطبري، وغيره ثم عاد إلى بغداد ثانية، وصحب العلماء والأدباء، فأخذ عنهم الفقه والأصول، وقيد الشعر، واتسع في الرواية، وأتقن مسائل الخلاف والأصول والكلام على أئمة هذا الشأن.
ثم صدر عن بغداد إلى الأندلس، فأقام بالإسكندرية عند أبي بكر الطرطوشي، فمات أبوه بها في سنة ثلاث وتسعين
ثم انصرف هو إلى الأندلس سنة خمس وتسعين، فقدم بلده إشبيلية بعلم كثير لم يأت به أحد قبله ممن كانت له رحلة إلى المشرق، وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها، والجمع لها، متقدما في المعارف كلها، متكلما في أنواعها، نافذا في جميعها حريصا على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، وأحد من بلغ مرتبة الاجتهاد، وأحد من انفرد