للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عرفة: ولما قال {إياك نعبد} أوهم أن للإنسان في العبادة ضربا من المشاركة والاختيار، فعقبه بطلب الهداية تنبيها على كمال الافتقار وأن كل العبادة والطاعة من الله تعالى وليس للعبد عليها قدرة، فهو دليل لأهل السنة. (١)

وقد تعرض ابن عرفة إلى رأي المعتزلة في قول الزمخشري: إن الشيء يطلق على الممكن والمستحيل. ثم قال معلقًا على هذا الرأي: وظاهر الآية حجة للمعتزلة لأنه لو كان المراد أن الله على كل موجود قدير، للزم تحصيل الحاصل، ثم تعرض بعد ذلك إلى شرح متعلق القدرة فقال: القدرة تتعلق بالممكن المعدوم المقدر الوجود، كما يفهم من معنى قوله تعالى {الزانية والزاني ...} (٢)، المراد من حصل منه الزنى بالفعل، ومن سيحصل منه الزنى؛ يصدق عليه في الحال أنه زان باعتبار، على تقدير أنه سيوجد منه، وهذا كما يقول المنطقيون: القضية الخارجية، والقضية الحقيقية، ويجعلون الخارجية عامة في الأزمنة الثلاثة، مثل كل أسود مجمع للبصر، وكل أبيض مفرق للبصر، المراد كل موصوف بالسواد مطلقًا في الماضي والحال والاستقبال (٣).

ثم ذكر حجة الزمخشري في نفي الرؤية، قال: وقوله {لن تراني} (٤) استدل بها الزمخشري على عدم الرؤية منطلقًا، لأن لن عنده لنفي دائم وهي المسماة بلن الزمخشرية ونحن نقول: إنها لنفي غير دائم، ويثبت بعد ذلك الرؤية مستدلا عليها بقوله تعالى {فإن استقر مكانه فسوف تراني} (٥)، قال: دليل على أن الرؤيا ممكنة لأن استقرار الجبل في مكان، ممكن عقلا، وقد علق عليه بسوف تراني فدل على إمكان الرؤية إذ لايصح تعليق المستحيل على الممكن ... (٦)

كما يناقش الزمخشري في تفسير قوله تعالى {لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم} (٧)، الذي يرى أن {بإذن ربهم} تعني بتسهيله فرد ابن عرفة عليه بأن هذا التفسير متماش مع مذهبه في نسبة أفعال العباد إليهم، وأنها ليست مقدورة لله، وإنما ييسرها ويسهلها الله عليهم ... .


(١) تفسير ابن عرفة ١/ ١٠٢ - ١٠٣.
(٢) النور: ٢.
(٣) ق: ٩.
(٤) الأعراف: ١٤٣.
(٥) الأعراف ١٤٣.
(٦) ق: ١٤٤.
(٧) إبراهيم: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>