للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغم سيطرة العبيديين العسكرية على جميع أنحاء المغرب وصقلية وحوض البحر الأبيض المتوسط فإنهم لم يحسوا بالأمن والاستقرار، ولم تكن الثورات الكثيرة التي شهدها عهدهم (١) هي السبب الأكبر في قلقهم، وإنما مثار قلقهم هم هؤلاء العلماء المؤمنون، ومن هنا راح الروافض يقومون بأعمال منكرة لنشر أباطيلهم وحمل الناس على اعتناق مذهبهم، إلا أنها لم تزد أهل السنة منهم إلا نفورا، وكان عهدهم من أضيق العهود وأشدها على الناس لتبديدهم الأموال بإعطائها اليهود والنصارى وانفاقها في الخمور والملذات (٢).

ويمكن أن نلخص في النقاط التالية جرائمهم في حق الإسلام عامة، وفي حق العلم وأهله بصفة خاصة:

١ - لقد ادعى عبيد الله الرسالة، فإنه لما وصل إلى رقادة، طلب فقيهين من فقهاء القيروان، فدخلا عليه وهو جالس على كرسي ملكه فقال لهما بعض دعاته: اشهدا أن هذا رسول الله فقالا بلفظ واحد: لو جاء هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره يقولان: إنه رسول الله ماقلنا ذلك! فأمر بذبحهما (٣) بل لقد غلا فيه أصحابه حتى ألهَّوه فقد كانت أيمانهم: وحق عالم الغيب والشهادة مولانا الذي برقادة، وكان بعضهم يتصدى لعبيد الله ويقول له: ارق إلى السماء لم تقيم في الأرض وتمشي في الأسواق، كما أن أميرهم الرابع معد بن إسماعيل ادعى النبوة وجعل من نادى فوق صومعة القيروان: أشهد أن معد بن إسماعيل رسول الله فارتج البلد لذلك (٤).

٢ - لقد مدح حكامهم بأنواع من الكفر وأقروها، منها قول أحد شعرائهم في عبيد الله:

حل برقادة المسيح ... حل بها آدم ونوح


(١) من أخطر هذه الثورات ثورة داعية أبي عبد الله الذي شكك في إمامة عبيد الله، فقتله سنة ٢٩٨ هـ انظر النجوم الزاهرة ١/ ١٥٤، وثورة أبي يزيد الخارجي الذي استولى على كامل بلاد إفريقية حتى لم يبق للعبيديين إلا المهدية انظر العبر ٤/ ٤٠ - ٤٤.
(٢) انظر المدارك ٣/ ٧١٤، طبقات الخشني ١٦٨.
(٣) سير أعلام النبلاء ١٤/ ٢١٦، الرياض ٢/ ٤٩.
(٤) البيان المغرب ١/ ١٦٠، ١٨٦، ٢٨٢، ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>