قال: وقد روى العذري وغيره عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال: لقيت شيخًا باليمن، فقال لي: أنت حرمي؟ فقلت: نعم، فقال: وأحسبك قرشيًا؟ قلت: نعم. قال: بقيت لي فيك واحدة، اكشف لي عن بطنك! قلت: لا أفعل، أو تخبرني لم ذلك؟ قال: أجد في العلم الصحيح أن نبيًا يبعث في الحرمين يقارنه على أمره فتى، وكهلا، أما الفتى فخواض غمرات، ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف، على بطنه شامة، وعلى فخده اليسرى علامة، وما عليك أن تريني ماسألتك عنه فقد تكاملت فيك الصفة إلا ماخفي علي. قال أبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأى شامة سوداء فوق سرتي، فقال: أنت هو ورب الكعبة ... وخف الله فيما خولك وأعطاك، قال أبو بكر: فلما ودعته قال: أتحمل عني إلى ذلك النبي أبياتا؟ قلت: نعم، فأنشأ الشيخ يقول:
ألم تر أني قد سئمت معاشري ... ونفسي قد أصبحت في الحي هاهنا
حييت وفي أيام المرء عبرة ... ثلاث مئين بعد تسعين آمنا
وقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شيخا لا أطيق الشواحنا
وأنت ورب البيت تأتي محمدا ... لعامك هذا قد أقام البراهنا
فحيي رسول الله عني فإنني ... على دينه أحيا وإن كنت قاطنا
قال أبو بكر: فحفظت شعره، وقدمت مكة، وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءني صناديد قريش وقالوا: ياأبا بكر يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي، قال: فجئت إلى منزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأت عليه فخرج إلي، فقلت: يامحمد فقدت من منازل قومك، وتركت دين آبائك، فقال:"ياأبا بكر إني رسول الله إليك، وإلى الناس كلهم، فآمن بالله " فقلت: وما دليلك؟ "قال الشيخ الراهب الذي لقيته باليمن"، قلت: وكم من شيخ لقيت؟ قال:"ليس ذلك أريد، إنما أريد الشيخ الذي أفادك الأبيات " قلت: ومن أخبرك بها؟ قال:"الروح الأمين الذي كان يأتي الأنبياء قبلي " قلت: مد يمينك أشهد أن لاإله إلا الله وأنك رسول الله، قال أبو بكر: فانصرفت وما بين لابتيها أشد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرحا بإسلامي. انتهى من تأليف ابن القطان في الآيات والمعجزات. (١)