للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١ - حرص العبيديون على محو آثار من سبقهم ولذلك أمر عبيد الله بإزالة أسماء الحكام الذين بنوا الحصون والمساجد وأن يكتب إسمه بدلها كما استولى على أموال الأحباس وسلاح الحصون، وطرد العباد والمرابطين بقصر زياد وجعله مخزنا للسلاح (١).

وهكذا يتبين بكل وضوح حرص العبيديين على مصادرة الفكر السني، وتعطيل شرائع الإسلام، وإماتة العلم الصحيح واضطهاد أهله، ولكن أمام ذلك كله تضامن علماء أهل السنة وعبادهم ومتصوفوهم (٢)، وتضافرت جهودهم لرد كيد العبيديين، وإخراجهم من أرض إفريقية، ومنعهم من أن ينالوا حصن السنة بالمغرب، والتف الشعب حول هؤلاء العلماء العاملين، الذين عرفوا بتضحياتهم المثالية في سبيل الحق، وتمسكهم بالسنة، وأصبحوا هم القادة الحقيقيين لشعوبهم فأمروا بمقاطعة جميع المؤسسات الحكومية فلا يختصمون إلى قضاتهم، ولا يصلون وراء أئمتهم، ولا يأتون معزين ولامهنئين، ولايناكحونهم، ولايتوارثون معهم، ولا يصلون على موتاهم.

وقد كان بعض العلماء يغتسل يوم الجمعة، ويلبس ثيابه ويتطيب، ويخرج إلى الجامع حتى إذا وصله يرفع عينيه إلى السماء ويقول: اللهم اشهد، ويرجع إلى داره (٣).

كما أفتى العلماء بكفر بني عبيد، وأنهم ليسوا من أهل القبلة، كما كفروا من دخل دعوتهم راضيا، ومن خطب لهم ولم يعذروا المكره وقالوا: يختار القتل ولا يدخل دعوتهم (٤) وقد شاعت هذه الفتاوى وعرفها الخاص والعام، فكانت حاجزا منيعا بين العوام وبين التردي في دعوة الرافضة.

ودأب علماء السنة على تعرية العبيديين وفضح معتقداتهم الباطلة حتى يحذرها العامة قال أبو إسحاق السبائي (ت ٣٥٦ هـ) لأصحابه: افتحوا باب داري نأخذ في


(١) انظر الرياض ٢/ ٥٦، ٢٢٢، موقف متصوفة إفريقية ١٩.
(٢) لقد امتاز متصوفة ذلك الوقت - بخلاف الفترات الزمانية التالية - بالمغرب عن غيرهم بالتزامهم بالسنة وبعدهم عن الغلو والتطرف والزيغ انظر: متصوفة إفريقية ٧.
(٣) المدارك ٣/ ٥٢٦، ٣/ ٧١٩، الرياض ٢/ ٤٣.
(٤) انظر في هذه الفتاوى: المدارك ٣/ ٧١٩، ٧٢٠، ٧٦٧، المعالم ٣/ ١٧٧، الرياض ٢/ ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>