للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطبع على قلوبهم بكفرهم. {ولهم عذاب أليم}: يعني عذابًا موجعا. {بما كانوا يكذبون} مخففة؛ أي: بقولهم: إنا مؤمنون وليسوا بمؤمنين إذ لم يستكملوا فرائض الله ولم يوفوا بها. فهذا تفسير من قرأها بالتخفيف. ومن قرأها بالتثقيل: {بما كانوا يُكَذِّبون} فهو يريد: بعض العمل أيضًا تكذيب؛ إن التكذيب تكذيبان: تكذيب بالقول، وتكذيب بالعمل. ومثله في اللغة أن يقول القائل للرجل إذا حمل على صاحبه فلم يحقق في حملته: كذب الحملة، وإذا حقق قالوا: صدق الحملة. فمن قرأها بالتخفيف فهو يريد الكذب على معنى ما فسرناه أولا. وأخت هذه الآية ونظيرتها التي في براءة: {فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} (١) يقول: أعقبهم، بالخلف والكذب الذي كان منهم، نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه. ومن قرأها بالتثقيل فهو بالمعنى الآخر الذي وصفناه آخرًا، ولا يعني به جحدًا ولا إنكارا، لأن مرض النفاق غير مرض الشرك، وكذلك كفر النفاق غير كفر الشرك.

قوله: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} (٢) بالعمل بالمعصية {قالوا إنما نحن مصلحون} يزعمون أنهم بمعصية الله والفساد في الأرض مصلحون. قال الله تعالى: {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} أي: لا يشعرون أن الله يعذبهم في الآخرة ولا ينفعهم إقرارهم وتوحيدهم. وهذا يدل على أن المنافقين ليسوا بمشركين.

قوله: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس} (٣) يعني: وإذا قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون آمنوا كما آمن الناس أي: أكملوا إيمانكم بالفعل الذي ضيعتموه. كما آمن الناس أي: كما آمن المؤمنون المستكملون القول والعمل {قالوا} يقول بعضهم لبعض {أنؤمن كما آمن السفهاء} أنؤمن كما آمن سفيه بني فلان وسفيه بني فلان ممن آمن ووفى، يعيبونهم بالوفاء والكمال، ولم يعلنوا ذلك للنبي عليه السلام. قال الله: {ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون} إنهم سفهاء في تفسير الحسن. وفي تفسير السدي: ولا يعلمون أن الله يخبر نبيه بقولهم.

والذي جاء في تفسير ابن أبي زمنين: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في


(١) التوبة: ٧٧.
(٢) البقرة: ١١.
(٣) البقرة: ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>