للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه ولم يكن ذلك بالماء في الظاهر هو كما يكون الطهور الظاهر وقال الله تعالى لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - {ياأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر} (١) فكان أول ما افترض عليه بعد إنذاره أن يبدأ بتطهير ثيابه والثياب في التأويل الظاهر لأن الثياب ظاهرة فأمره الله بإقامة ظاهر الشريعة وتطهيره من أنجاس الكفرة الجاهلية وما كانت تعبده وتذهب إليه في ظاهر ماتتدين به وكذلك يجب كما ذكرنا على المؤمنين أن يبدأ ويبتدئ به من يعلمه الإيمان بإقامة ظاهره وتطهيره مما كان يذهب إليه من ظاهر أهل الباطن وقد فسر ذلك كثير من المفسرين من العامة على غير الطهر الظاهر المتعارف عندهم الماء فقال بعضهم قوله: {وثيابك فطهر} (٢) أي طهر نفسك من الذنوب فكنى عنها بثيابه. وقال آخرون: أراد أن لا تلبس ثيابك على كذب ولا فجور ولا إثم، البسها وأنت طاهر من ذلك. وقال آخرون: أي قصرها. وقال آخرون: العرب تقول ألبست فلانا ثوب خزية وعار، إذا ألبسته ذما ونقيصة. فكلهم تأولوا ذلك على غير الطهارة من أنجاس الأبدان في الظاهر بالماء ومن أنجاس الأرواح في الباطن بالعلم. (٣)

ويقول:

فالإيمان على ضربين براءة من الباطل وأهله ودخول في الحق وأهله، وقد ذكرنا أن مثل الصلاة مثل البراءة من الباطل وأهله والصلاة تدعى إيمانا وقد جاء أن القبلة لما صرفت إلى جهة الكعبة قال المسلمون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يارسول الله أفيذهب ثواب صلاتنا من قبل؟ فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} (٤) يعني صلاتكم (٥) فسمى صلاتكم إيمانا وكذلك هي في الباطن إيمان لأن الدعوة جماع الإيمان. (٦)

ويقول:

وقد جاء أن عورة الرجل مابين السرة والركبتين وأن المرأة عورة كلها فباطن ذلك أن أمثال الرجال كما ذكرنا أمثال المفيدين وهم الذين يفيدون من دونهم من المؤمنين العلم والحكمة، وهم في ذلك على طبقات بعضها فوق بعض فكل مفيد مثله مثل الذكر وكل مستفيد مثله مثل الأنثى، والمستفيد يجب


(١) المدثر: ١ - ٤.
(٢) المدثر: ٤.
(٣) تأويل الدعائم ص: ٧٢ - ٧٣.
(٤) البقرة: ١٤٣.
(٥) لم يأت سبب النزول بهذا اللفظ والذي ورد في معناه أخرجه البخاري عن البراء - كتاب الإيمان - باب الصلاة من الإيمان ١/ ٩٥.
(٦) تأويل الدعائم ص: ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>