للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، فلما سرى عنه قيل له في ذلك فقال: مازلت أردد الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته أ. هـ فدرجات القراءة ثلاث: أدناها: أن يقرأ العبد كأنه يقرأ على الله تعالى واقفا بين يديه، وهو ناظر له ومستمع منه فيكون حاله السؤال والتملق والتضرع والابتهال، والثانية: أن يشهد بقلبه كأن الله تعالى يخاطبه بألفاظه، ويناجيه بإنعامه وإحسانه، فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم، والثالثة: أن يرى في كلام المتكلم، فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته، بل يكون فانيا عن نفسه، غائبا في شهود ربه، لم يبق له عن نفسه إخبار، ولا مع الله غير قرار. فالأولى لأهل الفناء في الأفعال، والثانية في أهل الفناء في الصفات، والثالثة لأهل الفناء في الذات، رضي الله تعالى عنهم، وحشرنا على مناجيهم، آمين.

فلا ترضى بغير الله حبا ... وكن أبدا بعشق واشتياق

ترى الأمر المغيب ذا عيان ... وتحظى بالوصول وبالتلاقي

يامن غرق في بحر الذات وتيار الصفات، ذلك الكتاب الذي تسمعه من أنوار ملوكتنا وأسرار جبروتنا، لا ريب فيه أنه من عندنا، فلا تسمعه من غيرنا {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} (١) فهو هاد لشهود ذاتنا، ومرشد للوصول إلى حضرتنا لمن اتقى شهود غيرنا، وغرق في بحر وحدتنا. (٢)

ويقول:

وقيل لأبي الحسن النوري: ماهذه الأماكن والمخلوقات الظاهرة؟ فقال: عز ظاهر، وملك قاهر، ومخلوقات ظاهرة به، وصادرة عنه، لا هي متصلة به، ولا منفصلة عنه، فرغ من الأشياء ولم تفرغ منه، لأنها تحتاج إليه وهو لا يحتاج إليها.

كيف تنكرون ظهور نور الحق في الأكوان وتبعدون عن حضرة الشهود والعيان، وقد كنتم أمواتا بالغفلة وغم الحجاب، فأحياكم باليقظة والإياب، ثم يميتكم بالفناء عن شهود ماسواه، ثم يحييكم بالرجوع إلى شهود أثره بالله، ثم إليه ترجعون في كل شيء، لشهود نوره في كل شيء، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، وعند كل شيء، كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان.


(١) القيامة: ١٨.
(٢) ص: ٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>