خلف أبي فارس أن يكبحوا جماح المنشقين، ويكسروا شوكة القبائل، وشنوا على أوروبا المسيحية حرب القرصنة، وعقدوا معاهدات تجارية مع إيطاليا، وذلك خلال مدة طويلة في الحكم سنة ١٣٧٠ م - ١٤٨٨ م من طرابلس إلى مدينة الجزائر.
وفي الفترة الأخيرة من العهد الحفصي ظهرت الاضطرابات من جديد، وانحلت الدولة حتى انحصرت في مدينة تونس وما يحيط بها، وتوالت هجمات النصارى على السواحل وتفاقم أثرها وفقدت الدولة القدرة على ردع القوى الانفصالية داخليا واحتل الأتراك ثم الأسبان على التوالي تونس سنة١٥٣٤ م، ١٥٣٥ م، وكانت السواحل مسرحا للصراع الأسباني التركي.
في أثناء التوسعات الأسبانية والبرتغالية ظهر على الساحة بحاران جزائريان هما الأخوان (عروج)، (خير الدين) فقد اتخذ عروج جزيرة جربه التونسية قاعدة لنشاطه بالاتفاق مع السلطان الحفصي محمد بن الحسن ونجح هو وأخوه في إنقاذ كثير من مسلمي الأندلس، ونقلهم منها فاستنجدت به المدن الساحلية في المغرب لتخليصهم من الأسبان فبترت ذراعه في أثناء محاولة تخليص بجاية سنة ٩١٨ هـ (١).
وبعد أن خلع الأتراك السلطان الحفصي من العرش أعاده القائد الأسباني بعد أن أدخله تحت حمايته وجعله تابعا له ثم خلعه ابنه أحمد وخلفه سنة ١٥٤١ م، ولم يكن أسعد حظا منه، واستطاع القائد التركي الاستقرار في طرابلس والاستيلاء على القطر التونسي، وفي سنة ١٥٦٩ م دخلت الجيوش التركية بقيادة والي الجزائر تونس وطردت منها السلطان الحفصي، ثم استولى الأسبان على تونس من جديد سنة ١٥٧٣ م إثر هزيمة الأسطول العثماني أمام القائد ليبانت، وأقاموا فيها حكما مشتركا أسبانيا حفصيا حتى قدم الأسطول العثماني بقيادة سنان باشا الذي استرجع تونس، وأنهى حضور الأسبان والدولة الحفصية بإفريقية.
واتجه خير الدين الوالي على الجزائر إلى تونس وذلك في نهاية الدولة
(١) انظر: صفحات من تاريخ مدن الجزائر ص: ٤٢، إتحاف أهل الزمان ٢/ ٩، تاريخ الجزائر الحديث ص: ٢٦.