للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاتحة، فإذا شرع للإمام الجهر بالقراءة فإنما يجهر بذلك لا ليسمع نفسه، وإنما ليسمع المأمومين، فإذا كان المأموم منشغلًا عنه بالقراءة، فما الفائدة من جهر الإمام؟

قال ابن تيمية: «لو كانت القراءة في الجهر واجبة على المأموم للزم أحد أمرين: إما أن يقرأ مع الإمام، وإما أن يجب على الإمام أن يسكت له حتى يقرأ، ولم نعلم نزاعًا بين العلماء أنه لا يجب على الإمام أن يسكت لقراءة المأموم بالفاتحة، ولا غيرها، وقراءته معه منهي عنها بالكتاب والسنة، فثبت أنه لا تجب عليه القراءة معه في حال الجهر» (١).

الدليل التاسع:

(ح-١٤٠٣) ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أنهما أخبراه،

عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أَمَّنَ الإمام، فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه (٢).

وجه الاستدلال بالحديث من وجهين:

الأول: لو أمر المأموم بقراءة الفاتحة في الجهرية لحفظ الأمر له بالتأمين إذا فرغ من قراءتها كما حفظ الأمر له بالتأمين على قراءة إمامه، فلما لم يحفظ الأمر له بالتأمين علم أنه لم يؤمر بالقراءة.

الثاني: لو أمر المأموم بالقراءة لشغله ذلك عن استماع قراءة إمامه والتأمين على قراءته.

يقول ابن عبد البر: «وفي هذا الحديث دلالة على أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام إذا جهر، لا بأم القرآن، ولا بغيرها؛ لأن القراءة بها لو كانت عليهم، لأمرهم إذا فرغوا من فاتحة الكتاب أن يؤمن كل واحد منهم بعد فراغه من قراءته؛ لأن السنة فيمن قرأ بأم القرآن، أن يؤمن عند فراغه منها.

ومعلوم أن المأمومين إذا اشتغلوا بالقراءة خلف الإمام لم يكادوا يسمعون


(١). مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٧٦).
(٢). صحيح البخاري (٧٨٠)، وصحيح مسلم (٧٢ - ٤١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>