وهذا من عجيب القول، أن تكون قراءة الفاتحة ركنًا، ثم تسقط بالنسيان، وصلاته صحيحة، ويمضي فيها، وكون العبادة تعاد مع الحكم بصحتها عند المالكية، فهذا من مفردات المذهب المالكي، وقد تمت مناقشته عند الكلام على شروط الصلاة، فانظره هناك يا رعاك الله.
بقي بحث هذا الشرط معتبرًا عند الشافعية والحنابلة، وقد توجه المذهبان في الكلام على هذا الشرط بشيء من التفصيل، ودراسة هذه المسألة ستكون مقصورة على كلام المذهبين إن شاء الله تعالى.
فقد نص الشافعية والحنابلة على أن المولاة بين كلمات الفاتحة شرط في صحة القراءة، وأن الإخلال بالموالاة يوجب استئناف الفاتحة (١).
* دليلهم على الشرطية:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية، ولم يُخِلَّ بذلك، فلوكان الإخلال بالمولاة جائزًا لفعل ذلك ولو مرة واحدة لبيان الجواز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مالك بن الحويرث في البخاري: صلوا كما رأيتموني أصلي.
* ونوقش الاستدلال:
بأن هذا الدليل لا يكفي للقول بأن الموالاة شرط، فالاستدلال به على الوجوب قد ينازع فيه، فضلًا على القول بالشرطية؛ لأن الاستدلال بالفعل يدل على المشروعية، وأما الوجوب فيحتاج للقول به أكثر من الفعل، فضلًا عن القول بالشرطية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على المضمضة والاستنشاق في الوضوء، ولا يجبان على الصحيح.
وأما الجمع بين الفعل وبين قوله:(صلوا كما رأيتموني أصلي) ليخرج الحكم مركبًا من دليلين فهذا المنزع ضعيف الدلالة، فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم مشتملة على سنن وأركان وواجبات، ولم تكن صلاته مقتصرة على الواجبات فقط، فلا يمكن الاستدلال بهذا الفعل العام المشتمل على هيئات وأقوال وأفعال أحكامها مختلفة
(١). نهاية المحتاج (١/ ٤٨٢)، روضة الطالبين (١/ ٢٤٣)، المجموع (٣/ ٣٥٧)، مغني المحتاج (١/ ٣٥٦)، نهاية المطلب (٢/ ١٤٠)، فتح العزيز (٣/ ٣٢٨)، تحفة المحتاج (٢/ ٤٠).