للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكل ما أَخَلَّ بنظم الآيات، وخالف التوقيف المتلقى من الوحي، فهو محرم، وقد تكون الآية الثانية جزءًا متممًا للآية التي قبلها، فيفسد المعنى، وهو كثير في القرآن.

وأما التنكيس المكروه: فهو كما لو قَسَّم قراءة السورة، فقرأ من السورة مرتبة نصفها الأخير، ثم قرأ من نفس السورة مرتبة نصفها الأول، فهذا التنكيس مكروه مطلقًا عندهم، سواء أكان في ركعة واحدة أم في ركعتين.

وإنما لم يحرم؛ لأن القراءة لم تخالف الترتيب التوقيفي المُنَزَّل على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه يشبه تنكيس السور، فكأن النصف الأخير سورة مستقلة، والنصف الأول سورة مستقلة، فلم يخل بنظم القرآن، ولم يخرج القرآن عن هيئته، فكان حكمه حكم تنكيس السور عندهم.

ولماذا كره مع سلامة المعنى، وسلامة الترتيب؟

فيجاب: بأن هذه الصفة لم تنقل.

فإن قيل: إذا لم تنقل، فلماذا لم تحرم؛ لأن صفة العبادة بمنزلة العبادة؟

فيقال في الجواب: إن الله سبحانه وتعالى قد قال: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠]، فتدخل هذه الصفة في الامتثال في الجملة.

وقال صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن .. (١).

فلم تحرم هذه الصفة احتياطًا للعبادة، وكرهت لكونها لم تنقل، والله أعلم.

وقد يناقش هذا:

بأننا لو نزلنا قراءة الركعة الثانية بالنسبة للركعة الأولى بمنزلة تنكيس السور، فما الجواب عن ذلك إذا وقع مثل هذا التنكيس في ركعة واحدة، والحكم واحد عند المالكية، فإذا وقع في ركعة واحدة فقد اختل الترتيب التوقيفي في آخر آية من النصف الأخير مع أول آية من النصف الأول حين ينتقل إليها، ولا فرق في النهي أن يقع التنكيس مرة واحدة في آيتين، أو يقع مرارًا مع كل الآيات، فهذه صورة من صور التنكيس المحرم، فلماذا كان مكروهًا؟


(١). البخاري (٧٩٣)، ومسلم (٤٥ - ٣٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>