للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنوعت مصاحف الصحابة رضي الله عنهم في كتابتها» (١).

فدل كلام ابن تيمية على أن القول بجواز ترتيب السور حتى في الرسم والكتابة محفوظ، والله أعلم.

الدليل السادس:

لو كان ترتيب السور بالاجتهاد لرتبه الصحابة على تاريخ نزوله، ولبدؤوا بالمكي منه قبل المدني، بدْءًا بما أنزل منه أولًا، ثم بما أنزل بعده على ترتيب نزوله، فيكون بذلك أقرب إلى معرفة تاريخ تشريع الأحكام، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وما يحتاج إليه من معرفة الأحكام، ولقد كانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولًا، وقد قُرِن بينهما، وقد توسطت الأنفال بين سورتين طويلتين: هما الأعراف والتوبة، مع أنها ليست طويلة، كما أن الصحابة لم يرتبوا السور المفتتحة بالتسبيح، بل فصلوا بينها بسورة قد سمع، والممتحنة، والمنافقون، بينما هي متماثلة في افتتاح كُلٍّ منها بتسبيح الله، كل ذلك يدل على أن الترتيب توقيفي، وإذا كان كذلك فيكره مخالفته.

* ورد هذا من أكثر من وجه:

الوجه الأول: لو صح سماع ترتيب بعض السور من الرسول صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال، وترتيب سورة بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء كما دل عليه أثر ابن مسعود المتقدم، فلا يمكن القول بأن هذا يصدق على ترتيب جميع السور، ولهذا وقع الخلاف في الترتيب بين مصاحف الصحابة قبل أن يتفقوا على هذا الترتيب الذي اجتهد فيه الصحابة زمن عثمان رضي الله عنه.

الوجه الثاني: أن ترتيب السور بحسب النزول لا يصح إلا بنقض آيات سور القرآن، وإفساد نظمها، وتغييرها عما حُدَّ لهم، وقد تبين من المسألة السابقة أن ترتيب آيات القرآن توقيفي بالإجماع، متلقى من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تجد السورة مدنية، وفيها آيات مكية، وتجد السورة مكية، وفيها آيات مدنية، وتجد في السورة الواحدة تقدم الناسخ على المنسوخ، لهذا لا يمكن ترتيب المصحف بحسب النزول.


(١). الفروع (٢/ ١٨٢)، تفسير الفاتحة لابن رجب (ص: ٢٢)، الإقناع (١/ ١١٩)، المستدرك على مجموع الفتاوى لابن قاسم (٣/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>