للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كحديث زيد بن ثابت في قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة الأعراف، وحديث ابن عباس في قراءته سورة المرسلات، وحديث جبير بن مطعم في قراءته سورة الطور، فهذه الأحاديث صحيحة ومن أعلى شروط الصحة حيث وردت في المتفق عليه إلا حديث جبير بن مطعم ففي البخاري، وسوف يأتي تخريجها في أدلة القول الثاني.

الوجه الثاني:

أنه لا يوجد حديث صحيح ينص على استحباب القراءة في صلاة المغرب من قصار المفصل، وإن كان هذا هو قول الأئمة الأربعة عليهم رضوان الله.

ذكر الحافظ ابن حجر: بأنه لم يَرَ حديثًا مرفوعًا فيه التنصيص على القراءة بشيء من قصار المفصل، إلا حديثًا في ابن ماجه، عن ابن عمر نص فيه على الكافرون والإخلاص، وظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول. قال الدارقطني: أخطأ فيه بعض رواته. ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة، وفيه سعيد بن سماك، وهو متروك، والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب (١).

الوجه الثالث:

لو سلمنا أن السنة صريحة في استحباب قراءة قصار السور في المغرب، فإن ترك السنة لا يلزم منه الوقوع في المكروه.

نعم يتوجه عند بعض الأصوليين القول بأن ترك السنن المؤكدة يوقع فيما يسمى خلاف الأولى، وهو درجة أخف من الكراهة، ليس بمنزلة ما نهى عنه الشارع بعينه لا على سبيل الإلزام، فإذا سلمنا أن قراءة ما زاد على الفاتحة من السنن المؤكدة، فإنه يتوجه للقراءة نفسها، لا لمقدارها، فإذا قرأ آية فما فوقها فقد حصلت السنة، والزيادة في القراءة على مقدار السنة لا يمكن الحكم عليه بالكراهة، حتى لو لم ترد الزيادة، فكيف إذا حفظ في السنة القراءة من الطوال في المغرب، فكيف نكره ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من مرة؟ بل شاء الله قدرًا أن تكون آخر صلاة صلاها في المغرب سورة المرسلات، والله أعلم.

الدليل الثالث:

أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أنكر على معاذ قراءة سورة طويلة في العشاء، وقال له: أفتان


(١). انظر: فتح الباري (٢/ ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>