أن أبا داود لو احتج على النسخ بالأمر بالتخفيف لكان له وجه؛ لأن عمل التابعي أو غيره لا ينسخ ما رواه من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بمجرد ترك العمل به حتى ولو كان التطويل واجبًا، فكيف إذا كان التطويل ليس واجبًا، ولا مستحبًّا دائمًا؛ لأن الراوي قد يترك العمل بالحديث الصحيح لمعارض أرجح فيما يراه، ويبقى الآخر محكمًا لم ينسخ، أو من جهة الفقه باجتهاد منه أن غيره أفضل منه، ولا يقتضي ذلك النسخ، أو لعذر من قبل جماعة المصلين، أو من قبله هو، أو لغير ذلك من الأعذار، فلا يتعين النسخ في الترك.
الوجه الثاني:
أن المصير إلى النسخ لا يمكن حتى يتعذر الجمع، ولم يتعذر هنا، فإنه لا تعارض بينهما ألبتة، فاختلاف مقدار القراءة مرده إلى اختلاف الأحوال والأوقات والفراغ والشغل.
ويمكن الجمع بينهما بأن القراءة من طوال المفصل في المغرب تجوز من غير كراهة؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، والقراءة من قصار المفصل مستحبة؛ لكونها الأكثر من فعله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، واختاره ابن دقيق العيد.
قال ابن دقيق العيد:«والصحيح عندنا أن ما صح في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لم تكثر مواظبته عليه فهو جائز من غير كراهة، كحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه في قراءة الطور في المغرب، وكحديث قراءة الأعراف فيها، وما صحت المواظبة عليه فهو في درجة الرجحان في الاستحباب، إلا أن غيره مما قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مكروه»(١).
الوجه الثالث:
لا يمكن القول بالنسخ، والقراءة من طوال المفصل من آخر ما حفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(ح-١٥٥٦) فقد روى البخاري من طريق عقيل، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله،