للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن الهمام: «الاحتراز عن الجهر بالكلية منها متعسر، فإن في مبادئ التنفسات غالبًا يظهر الصوت، وفي الحديث: (وكان يسمعنا الآية أحيانًا) وهو والله أعلم بهذا السبب» (١).

وهذا الحمل ضعيف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فعله غير مقصود، بحيث يظهر الصوت عند مبادئ التنفس بلا قصد مع قول الصحابي: (ويسمعنا)، وسوف أبين ضعف هذا الاحتمال عند عرض مذهب السادة الشافعية.

وقيل: إذا جهر بما يتأدى به فرض القراءة وهي عندهما (أبي يوسف ومحمد) آية طويلة، أو ثلاث آيات قصار، فإن جهر بأَقَلَّ من ذلك لم يتعلق به سجود السهو (٢).

قال ابن نجيم في البحر: «اختلف الترجيح على ثلاثة أقوال، وينبغي عدم العدول عن ظاهر الرواية الذي نقله الثقات من أصحاب الفتاوى» (٣).

زاد المصنف في منحه نقلًا من حاشية ابن عابدين: «وأنا أعجب من كثير من كُمَّلِ الرجال كيف يعدل عن ظاهر الرواية الذي هو بمنزلة نص صاحب المذهب إلى ما هو كالرواية الشاذة. اهـ.

فتعقب ذلك ابن عابدين بقوله: لا عجب من كُمَّلِ الرجال كصاحب الهداية والزيلعي وابن الهمام حيث عدلوا عن ظاهر الرواية لما فيه من الحرج، وصححوا الرواية الأخرى للتسهيل على الأمة، وكم له من نظير ولذا قال القهستاني: ويجب السهو بمخافتة كلمة لكن فيه شدة. وقال في شرح المنية: والصحيح ظاهر الرواية، وهو التقدير بما تجوز به الصلاة من غير تفرقة؛ لأن القليل من الجهر في موضع المخافتة عفو أيضًا؛ ففي حديث أبي قتادة في الصحيحين ... (ويسمعنا الآية أحيانًا). ا هـ.

ففيه التصريح بأن ما صححه في الهداية ظاهر الرواية أيضًا، فإن ثبت ذلك فلا كلام، وإلا فوجه تصحيحه ما قلنا، وَتَأَيُّدُهُ بحديث الصحيحين، وقد قدمنا في


(١). فتح القدير (١/ ٥٠٥)، وانظر: حاشيةالطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: ٢٥٣).
(٢). بدائع الصنائع (١/ ١٦٦)، حاشية ابن عابدين (٢/ ٨٢)، تحفة الفقهاء (١/ ٢١٢)، فيض الباري (٢/ ١١٥).
(٣). البحر الرائق (١/ ١٠٤، ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>