للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلعل ابن عباس يجزم أحيانًا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقرأ؛ لأنه الأصل، وأحيانًا يسوقه بالشك لعدم ثبوت القراءة عنده، والشك والجزم يؤديان إلى القول بعدم مشروعية القراءة.

وصح عن ابن عباس القول بالقراءة في الصلاة السرية، فعلى هذا يكون المحفوظ عن ابن عباس قولين في المسألة (١).

وكون ابن عباس لم يقف على سنة القراءة، فإن من عَلِم حجةٌ على من لم يعلم، وإذا وقفت على غياب مثل هذه السنة الجلية عن ابن عباس، فاعتبر منها بأمرين:

أحدهما: التماس العذر في غياب بعض السنن عن بعض الأئمة، فلا تثريب بعد ذلك على أحد من أهل العلم إذا جهل سنة من السنن، فلا يستغرب خفاء أي شيء على أي عالم مهما يبلغ بعد هذه المسألة، فالله سبحانه وتعالى أبى أن يكون الكمال إلا له وحده، وفوق كل ذي علم عليم.

الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد يمتحن بعض الناس إذا خالف إمامهم سنة من السنن، أيتبعون إمامهم، أم يتبعون السنة؟ كما قال عمار عن عائشة: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم؛ لتتبعوه أو إياها. رواه البخاري (٢).

ومع سعة علم ابن عباس وفقهه لم يكن يتوسع بالقياس وإلا لقال بقياس السرية على الجهرية حيث لم يبلغه نص في السرية.

(ح-١٩٥١) وأما ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة، عن الحسن يعني العرني، قال:

قال ابن عباس ما ندري أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقرأ في الظهر


(١). روى إسماعيل بن أبي خالد، عن العيزار بن حريث، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب في الظهر، والعصر.
وهذا سنده صحيح، وقد سبق تخريجه في القراءة خلف الإمام من المجلد السابق، وفي هذا دليل على أن لابن عباس قولًا آخر يرى فيه قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة السرية، وقوله هذا الموافق للسنة، والموافق لقول عامة الأمة أولى من قوله الآخر، والله أعلم.
(٢). صحيح البخاري (٣٧٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>