فإن قيل: ألم يأخذ بالحديث الإمام أحمد، وكفى به إمامًا في العلل؟ قال الإمام أحمد في مسائل ابنه عبد الله (٢٨٧): «وزاد إسماعيل بن جعفر في حديث رفاعة بن رافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله، ثم اركع)، قال عبد الله: قال أبي: وكذلك أقول أنا: إن لم يحسن يقرأ يفعل كما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - على حديث رفاعة بن رافع». فظاهره أنه يصحح هذا الحديث؛ حيث نسب الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على حديث رفاعة بن رافع. فالجواب: من أخذ بكلام الإمام أحمد فهو حسبه، وقد قَلَّد لدينه حجة وخبيرًا في العلل، وإن كان قد سبق لي أن ذكرت رأيي في منهج الإمام أحمد عند الكلام على زيادة: (وإذا قرأ فأنصتوا)، عندما ذهب الإمام إلى تصحيحها من حديث أبي هريرة، وضعفها كثير من الأئمة، ولا مانع من إعادة الكلام لهذه المناسبة. فالإمام أحمد إذا ضَعَّف حديثًا، فلا أظن أن أحدًا من المتأخرين يستطيع أن ينهض لتصحيحه، بخلاف التصحيح، فإن الإمام قد يُغَلِّب جانب العمل والنظر الفقهي على الصنعة الحديثية، فالإعلال بالتضعيف أدق من القول بصحة الحديث، أو بالعمل به؛ لأن العمل قد يحكمه ويحيط به عوامل كثيرة، منها أحاديث، وآثار الباب ومقاصد الشريعة، وقواعدها ومصالحها، وما عليه أكثر السلف من حيث العمل، لا من حيث الصنعة، فلا ينشط الإمام لإعلال الحديث إلا لو كان لا يوجد في الباب إلا هذا الحديث، وأما التضعيف فيكون الاحتياط فيه أَشَدَّ؛ لأنه إبطال للدليل، والغالب أنه لا يصير إليه إمام من الأئمة إلا مع انقطاع النظر في إمكان تصحيحه، لهذا كان إعلال الحديث بالتضعيف مقدمًا على القول بالصحة، وهذا في الجملة، وإلا فكل واقعة لها حكمها، وأدوات الترجيح كثيرة ومتشعبة، ولا شك أن القول الفقهي في استحباب التحميد والتهليل والتكبير بدلًا من قراءة القرآن قول راجح من حيث النظر الفقهي؛ لثبوت ذلك من حديث ابن أبي أوفى، وهو قول الجمهور، كما سيأتي بحثه إن شاء الله في مسألة مستقلة، والله أعلم. (١). معالم السنن (١/ ٢٠٧).