للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل أبيح لهم أن يقرؤوا القرآن بلغتهم، مع أنه من السهل عليهم أن يروضوا ألسنتهم على لسان قريش، فغير العرب أولى وأحرى.

* ونوقش من وجهين:

الوجه الأول:

أن القرآن أُنْزِل على سبعة أحرف، وهي مسموعة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونقلت نقلًا صحيحًا، وكل هذه القراءات عربية منزلة، بخلاف المترجم إلى لغة العجم ترجمة حرفية، فهذه لم تسمع، فلا هي عربية ولا هي منزلة، بل هي محدثة، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - وجميع الصحابة ما قرؤوا في الصلاة إلا بهذا القرآن العربي، فوجب علينا اتباعهم، وإذا كانت الألسن المخالفة للعربية ليست من السبع، فكيف تجوز القراءة بها؟

الوجه الثاني:

أن القراءات الواردة لا تصح القراءة بها عند أئمة القراء إلا بثلاثة أركان: أن يصح سندها، وأن توافق رسم المصحف العثماني، وأن توافق العربية ولو في وجه من الوجوه، فإذا اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة لم تصح القراءة بها، واعتبرت من القراءات الشاذة، ولو كانت عربية، وأنتم تقولون يجوز القراءة بكل لسان، فكان الاستدلال أعمَّ من الدليل.

الدليل الثالث:

قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} [فصلت: ٤٤]

وجه الاستدلال:

دلت الآية على جواز تسمية الأعجمي قرآنًا (١).

* ونوقش:

هذا من غريب الاستدلال، فالآية تثبت عربية القرآن، وتنفي عنه العجمة، فالقرآن كله عربي، كما قال تعالى في الآية الثانية: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣]، فكل حرف في القرآن فهو عربي، سواء أكان عربيًّا بالأصالة، أم كان عربيًّا بالتعريبِ، واستعمالِ العرب، ولا يصح الاستدلال بالقدرة الإلهية أن الله لو


(١). المبسوط للسرخسي (١/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>