للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسؤال: إذا كان هذا ما يفيده التواتر، فكيف يتصور أن هذه القراءات كلها متواترة، ثم يحصل الخلاف بين علماء القراءات فضلًا عن غيرهم في تواترها.

فهناك من يثبت التواتر لجملتها، ويُقِرُّ بعدم ثبوت التواتر لآحادها فردًا فردًا وهو أقربها، وهناك من يثبت لها الشهرة والاستفاضة، وهي أقلُّ من التواتر، وهناك من يثبت التواتر للسبع، وينفيه عما عداها كما هو قول ابن الحاجب والنووي والرملي وغيرهم، وهناك من يثبته للقراءات العشر كالسبكي والبغوي، ويحكم بشذوذ ما وراء العشر، وهناك من ينفي اشتراط التواتر لصحة القراءة، وأن اشتراطه قول لبعض المتأخرين مخالفًا أئمة السلف، وهناك من يقول بعكس ذلك، وأن عدم اشتراط التواتر قول حادث، وهناك من يرى أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فهذا الاختلاف بحد ذاته دليل على عدم حصول التواتر في جميع آحاد القراءات السبع، ولو وقع التواتر لجميع آحاد القراءات السبع أو العشر لحصل العلم به لعموم الناس، ولم يختلف فيه العامة فضلًا عن العلماء، فضلًا عن علماء القراءات.

فهذا النووي وهو يقول بتواتر القراءات السبع يقول في التبيان في آداب حملة القرآن: «تجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها، ولا يجوز بغير السبع، ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة» (١).

فلم يجعل النووي الروايات المنقولة عن القراء السبعة كلها مجمعًا عليها، بل هناك قراءات مجمع عليها عنهم، وهناك روايات منقولة عنهم هي من قبيل الشاذ، والله أعلم.

وإذا كانت القراءات كلها متواترة، فكيف وقع الخلاف بين عمر رضي الله عنه وهشام بن حكيم كما في الصحيحين في صفة قراءة سورة الفرقان.

يقول الطوفي الحنبلي: «وأبلغ من هذا أنها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تتواتر بين الصحابة، بدليل حديث عمر لمَّا خاصم هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهم، حيث خالفه في قراءة سورة الفرقان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو كانت متواترة بينهم لحصل العلم لكل منهما بها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لم يكن عمر رضي الله عنه ليخاصم في ما تواتر عنده» (٢).


(١). التبيان في آداب حملة القرآن (ص: ٩٧).
(٢). شرح مختصر الروضة (٢/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>