للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: أن يكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغًا.

الثالثة: أن يكون موافقًا لخط المصحف؛ لأن خط المصحف أخذ عن إجماع (١).

فجعل الإمام مكي القراءة، وإن كانت آحادية إذا وافقت المصحف العثماني فقد وافقت ما أجمع عليه، فقبلت قراءة، وقبلت قرآنًا، بخلاف ما صح سنده، وخالف ما أجمع عليه من خط المصحف، فيقبل قراءة، ولا يقبل قرآنًا.

فلم يشترط مكي التواتر لثبوت القراءة، وهو من المتقدمين، فكيف يزعم أن القول بعدم اشتراط التواتر لم يقل به إلا المتأخرون.

وذهب ابن الجزري إلى عَكْسِ قول أبي القاسم، حيث كان يرى أن اشتراط التواتر هو قول لبعض المتأخرين، وأنه مخالف لما عليه أئمة السلف والخلف.

يقول ابن الجزري: «وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن، ولم يَكْتَفِ فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ... وهذا مما لا يخفى ما فيه؛ فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره؛ إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجب قبوله، وقطع بكونه قرآنًا، سواء أوافق الرسم أم خالفه، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم، وقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول، ثم ظهر فساده، وموافقة أئمة السلف والخلف» (٢).

فابن الجزري، وهو من علماء القراءات كان يذهب إلى اشتراط التواتر موافقة لبعض المتأخرين كتقي الدين السبكي وتاج الدين السبكي، ثم ظهر له فساد هذا القول، فتركه ورأى أن في تركه موافقة لأئمة السلف والخلف.

ويقول الإمام أبو شامة في المرشد الوجيز (ت: ٦٦٥): «غاية ما يبديه مدعي تواتر المشهور منها .... أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل فرد فرد من ذلك، وهنالك تسكب العبرات، فإنها من ثم لم


(١). انظر: النشر في القراءات العشر (١/ ١٤).
(٢). النشر في القراءات العشر (١/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>