القراءة، فلم يبق إلا قلب الورقة من المصحف إذا فرغ من قراءتها، وهو عمل يسير جدًّا، لا يمكن أن يعود على الصلاة بالبطلان.
ولو سلمنا أنه من العمل الكثير فإنه ليس من الكثير المتصل، فإذا تفرق العمل الكثير لم يؤثر، ومع التسليم بأنه لا فرق بين الكثير المتصل والمتفرق، فإن الكثير إذا كان في مصلحة الصلاة ويؤدى به فرضها لا يبطلها، وسوف تكون الحركة في الصلاة موضع بحث إن شاء الله تعالى في مبحث مستقل.
وأما النظر في المصحف والقراءة منه فليس من مبطلات الصلاة؛ لأن المنع إن كان من أجل النظر في المصحف فإن نظره إلى المصحف كنظره إلى سائر الأشياء التي ينظر إليها في صلاته، الأصل فيه الإباحة، والمحرم منه رفع بصره إلى السماء كما في الحديث الصحيح:(ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارهم)، وهذا ليس منه، ولأنه لو نظر إلى مكتوب، وفهمه بقلبه لم تفسد صلاته بالإجماع، فكذلك نظره إلى المصحف.
وإذا كان النظر والفكر لا يبطل الصلاة بالاتفاق في غير المصحف، ففيه أولى، فقد حكى أبو الطيب الطبري وغيره من الشافعية الإجماع على أنه لو تفكر طويلًا، أو نظر طويلًا لم تبطل صلاته، فكذلك إذا جمع بينهما.
وإن كان المنع من أجل القراءة من المصحف، لا من أجل النظر إليه، فإن قراءة القرآن هي من عمل الصلاة، فكيف تكون سببًا في المنع، والله أعلم.
الدليل السادس:
أكثر أهل العلم على أن النظر في المصحف عبادة، قال النووي: لم أر فيه خلافًا، فإذا نظر فيه، فقرأ بلسانه ما يشرع له قراءته لم تبطل صلاته؛ لأن انضمام العبادة إلى عبادة أخرى لا يفسدها.
* دليل من فرق بين الفرض والنفل:
أثر عائشة وأثر أنس رضي الله عنهما في القراءة من المصحف ثابت في صلاة النفل، ولم يَأْتِ دليل على إباحته في الفريضة، والأصل في العبادات المنع، ولا يصح قياس