وحديث أبي هريرة في قصة الرجل المسيء صلاته، وحديثه في الصحيحين، حيث أمره بالطمأنينة، فقال في الركوع:(ثم اركع حتى تطمئن راكعًا).
وقال في السجود (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا)، وكان قد قال له قبل ذلك:(ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ)، فأمره بالإعادة، دليل على وجوب الطمأنينة، لا على ركنيتها؛ لأن الدليل الظني لا يفيد إلا الوجوب، ولا يفيد الركنية.
فإن قيل: لماذا لا يفيد الركنية؟
أجابوا: لو قلنا: إنه يفيد الركنية لكان ذلك نسخًا لإطلاق الآية، حيث أصبح حكم الآية -والذي هو مطلق الركوع والسجود- لا يكفي لصحتهما، وهذا تغيير لحكم الآية، وتغيير حكم الآية نسخ لها، وهذا لا يجوز بخبر الآحاد، لأن القطعي لا ينسخه إلا قطعي مثله من كتاب أو سنة متواترة، أما الآحاد فلا يصلح ناسخًا للكتاب عندنا، ومع ذلك لا نهمل هذا الخبر، وإنما يصلح خبر الآحاد أن يكون مكملًا للقرآن.
فالدليل القطعي يدل على فرضية (ركنية) الركوع والسجود.
وأما الطمأنينة فثبتت بدليل ظني، فنقول بوجوبها؛ لأن الواجب يثبت بالدليل الظني، بخلاف الفرض (الركن) فلا يثبت إلا بدليل قطعي، لهذا حملنا أمره بالطمأنينة وإعادة الصلاة في حديث المسيء في صلاته على الوجوب، لا على الركنية.
ومثل هذا القول قال الحنفية بحكم قراءة الفاتحة، فالقرآن طلب قراءة ما تيسر من القرآن بقوله تعالى:{فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل: ٢٠]، وهو عام في الفاتحة وغيرها، وهذا دليل قطعي، فثبت أن الفرض (الركن) هو مطلق القراءة.
وخبر الآحاد جاء بقراءة فاتحة الكتاب، (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)