للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا دليل ظني، فحملوا قراءتها على الوجوب لا على الركنية، أي حتى لا يؤدي ذلك إلى تغيير حكم الكتاب بخبر الآحاد، وقد اصطلح الحنفية على إطلاقهم على هذا المسألة في كتب الأصول بما يسمى (الزيادة على النص) بخبر الآحاد نسخ.

بقي الجواب على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالإعادة، قالوا: لا إشكال في ذلك، فترك الواجب نقص في الصلاة، فأمر بجبره بالإعادة، أو من باب الزجر عن المعاودة، وهذا دليل على ضعف من قال: إن الطمأنينة من سنن الصلاة.

وقوله: (فإنك لم تُصَلِّ) دليل على أن ترك ذلك ليس من باب السنن، لأن ترك السنن لا يلحق بالعدم، فالحكم بالعدم لا يكون إلا بانعدامها أصلًا وذلك لا يكون إلا بترك الركن وهذا لا يمكن الحمل عليه؛ لأنه دليل ظني، أو يكون بانتقاصها وذلك يكون بترك الواجب، وهو الراجح، ويدل عليه ما جاء في آخر حديث المسيء صلاته فإنه قال فيه: (فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئًا انتقصته من صلاتك) فسماها صلاة، والباطلة ليست صلاة.

وقال إمام الحرمين: «في قلبي من الطمأنينة في الاعتدال شيء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الأعرابي ذكر الطمأنينة في الركوع والسجود، وأما الاعتدال قائمًا وجالسًا فلم يتعرض للطمأنينة، فإنه قال: (ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع رأسك حتى تعتدل جالسًا)، وهذا الركن من الأركان القصيرة أيضًا، ولو وجبت الطمأنينة فيه لما امتنع مده كما في الركوع والسجود» (١)

* ويناقش:

أما التفريق بين الفرض والواجب: وأن الأول يثبت بدليل قطعي الثبوت، مثل نص القرآن، والمتواتر، وإجماع الأمة.

والواجب يثبت بدليل ظني الثبوت، كأخبار الآحاد، والقياس، وما كان مختلفًا في وجوبه كالمضمضة والاستنشاق، فهذا اصطلاح للحنفية، وظاهر كلام الإمام أحمد (٢).


(١). نهاية المطلب (٢/ ١٦٢).
(٢). قال أبو يعلى في العدة في أصول الفقه عن التفريق بين الفرض والواجب (٢/ ٣٧٦): هذا ظاهر كلام أحمد رحمه الله، ذكره في مواضع، فقال في رواية أبي داود، وابن إبراهيم:
«المضمضة والاستنشاق لا تسمى فرضًا؛ ولا يسمى فرضًا إلا ما كان في كتاب الله تعالى.
قال أبو يعلى: فقد نفى اسم الفرض عن المضمضة والاستنشاق مع كونهما واجبين عنده.
وقال أيضًا رحمه الله في رواية المروزي، وقد سأله عن صدقة الفطر: أفرض هي؟ فقال: ما أجترئ أن أقول: إنها فرض.

وكذلك نقل الميموني عنه، وقد سأله هل يقول: بر الوالدين فرض؟ فقال: لا، ولكن أقول: واجب، ما لم يكن معصية».

<<  <  ج: ص:  >  >>