ولو كان الأمر مجرد اصطلاح لم يكن هناك مشاحة فيه، وأما أن يبنى على هذا: التفريق بين دلالة السنة والكتاب، فهذا قول ضعيف جدًّا، فالدلالات متعلقها اللغة، وما تقتضيه من معنى، وما توجبه من عمل، ولا فرق في ذلك بين مصادر التشريع من كتاب وسنة، فالسنة قرينة الكتاب، ومبينة له، فإذا صحت فإنها تفيد العلم، ووجوب العمل كالقطعي.
وكون الدليل ظنيًّا أو قطعي الثبوت متعلق بطرق ثبوته، ولا علاقة له بما يقتضيه النص من معنى، وما يوجبه من عمل، فقطعي الثبوت وظني الثبوت قد تكون دلالتهما قطعية كما لو كانت الدلالة نصية لا تحتمل إلا معنى واحدًا، وقد تكون دلالتهما ظنية، كما لو كانت دلالتهما من قبيل الظاهر، الذي يحتمل معنيين أحدهما أرجح من الآخر، وقد تكون دلالتهما مجملة مفتقرة إلى مبين ومفسر، وإنما الفرق بين قطعي الثبوت وظنيه أن الظني تجوز مخالفته لدليل، فإذا دلَّ الدليل الظني على الركنية أو الشرطية ولم يعارضه ما هو أقوى منه وجب العمل بدلالته، ولو كانت ظنية.
وأما دعوى أن الزيادة على النص نسخ، فهذا أيضًا من أصول الحنفية، والجمهور على خلافه:
فالنسخ: هو رفع حكم الخطاب، وحكم الخطاب في الآية وهو الأمر بالركوع والسجود في الصلاة لم ينسخ، وإنما انضم إليه وجوب شيء آخر، وهو الطمأنينة، وهذا لا يسمى نسخًا، كما أن تخصيص العام أو تقييد المطلق لا يسمى نسخًا على الصحيح؛ لأنه لا يرفع حكم الخطاب بالكلية.
ولو سلمنا أنه نسخ، فإن نسخ القطعي بالظني جائز شرعًا، وواقع عملًا،
(ح-١٦٦٣) فقد روى البخاري ومسلم من طريق مالك بن أنس، عن