عن عبد الله بن عمر، قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آتٍ، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشأم، فاستداروا إلى الكعبة (١).
فالاستقبال إلى بيت المقدس قطعي، وخبر نسخه والتوجه إلى الكعبة جاء عن طريق خبر رجل واحد، فهو ظني، وعمل به الصحابة ممن كان يصلي بقباء، وأَقَرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عملهم، فدل على جواز رفع حكم القطعي بالظني.
ولم نستفد ركنية الطمأنينة من قوله في الحديث:(ثم اركع حتى تطمئن راكعًا) فهذا إنما يفيد الوجوب فقط، وإنما استفدنا الركنية من قوله:(ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ)، فالنفي يدل على انعدام الصلاة لانعدام الطمأنينة، وأول ما يتوجه الانعدام للوجود، فإذا وجدت صورة الصلاة مع الحكم بنفي الصلاة، كان النفي متوجهًا للصلاة الشرعية (أي نفي الصحة)، وهذا بذاته يدل على ركنية الطمأنينة.
وقل مثل ذلك في قوله:(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
وكون الطمأنينة لا تسمى ركوعًا ولا سجودًا، وإنما هي صفة في الركوع والسجود وكذا في الاعتدال منهما لا يمنع أن تكون الطمأنينة ركنًا مستقلًّا بذاته، فالفاتحة ركن مستقل، والقيام لها بمقدار الفاتحة ركن مستقل آخر، وكون القيام صفة ملازمة لركنية الفاتحة، ومقدرًا بقدرها، لا يمنع أن يكون القيام ركنًا بذاته.
كما استدل الحنفية بأدلة عقلية، من قولهم: إن الرفع والاعتدال ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو وسيلة للانتقال من ركن إلى آخر.
وهذا يمكن النظر في قبوله لولا أن هذا الدليل النظري يعارضه أدلة نقلية في غاية الصحة، ولا يمكن للدليل النظري أن يعارض النصوص الشرعية، فالنظر مجاله إما في فهم النص وإما في حال غياب النص، أما إذا ورد النص الشرعي فلا يمكن معارضته بالدليل النظري.
وسوف أسوق الأدلة النقلية على ركنية الطمأنينة في المواضع الأربعة، في الركوع