للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (١).

فلما انتفت الصلاة بانتفاء الاعتدال بقوله: (فإنك لم تُصَلِّ) دل ذلك على ركنية الاعتدال في الصلاة.

• واعترض الحنفية على الاستدلال بالحديث:

بأن الركنية لا تثبت إلا بدليل قطعي الثبوت، وحديث أبي هريرة ظني الثبوت، فلا يفيد الركنية.

• ورد هذا من وجهين:

الوجه الأول:

أن الركنية من دلالات اللفظ، لا من دلالات الثبوت، فتثبت بالدليل الظني كما تثبت بالدليل القطعي. وقد سبق لي مناقشة الحنفية في هذا الأصل عند بحث حكم الطمأنينة في الصلاة، فانظره هناك.

الوجه الثاني:

لو تنزلنا أن الركنية لا تثبت بالدليل الظني، فإنه لا يمنع من إثبات الركنية بالدليل الظني إذا كان ذلك من قبيل بيان المجمل.

فالخلاف بين أبي يوسف وصاحبيه في حقيقة الركوع والسجود في الآية في قوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧].

فأبو حنفية ومحمد بن الحسن يذهبان إلى أن حقيقة الركوع والسجود لغوية، وهي معلومة باللغة، فلا يحتاجان إلى بيان، وعليه فلو قالوا بركنية الاعتدال لزم منه الزيادة على النص بخبر الواحد، وهذا لا يجوز على أصلهم؛ لأنه يؤدي إلى نسخ القطعي بالظني، وقد ناقشته عند الكلام على حكم الطمأنينة، فارجع إليه.

ويرى أبو يوسف أن حقيقة الركوع والسجود شرعية، وهي غير معلومة إلا من قبل الشرع، فيحتاج إلى البيان، وقد خرج حديث المسيء في صلاته مخرج البيان لما هو واجب في الصلاة، لقوله: (ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ) فأبان بذلك


(١). صحيح البخاري (٧٩٣)، وصحيح مسلم (٤٥ - ٣٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>