للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توقيفية، ولم يَأْتِ نص خاص في وضع اليد اليمنى على اليسرى إذا رفع رأسه من الركوع. والقياس على قيام ما قبل الركوع لا يصح؛ لأن القياس إن كان من قياس الشبه بأن هذا قيام يشبه قيام ما قبل الركوع، فهذا من أضعف أنواع القياس عند الأصوليين.

وإن كان من قياس العلة، فلا تعلم علة منصوصة حتى يمكن للمجتهد التماس العلة؛ لتعدية الحكم.

وهناك فرق بين القيام الأول والثاني يمنع من الإلحاق:

من ذلك: أن قيام ما قبل الركوع طويل، ومتفق على ركنيته، ويشتمل على قراءة طويلة ومنها قراءة الفاتحة، وهي ركن آخر، فاجتمع في القيام ركنان، ويسبق القراءة دعاء الاستفتاح، وقد قال بعض العلماء: إن القبض فيه نوع من الاعتماد لطول القيام.

وأما قيام ما بعد الركوع، فهو قيام قصير، ويجوز فيه الاقتصار على قول: (ربنا ولك الحمد)، والذكر فيه مسنون على الصحيح، والغاية منه الاعتدال، والقيام فيه مقدار لطيف جدًّا من أجل الطمأنينة، لا من أجل تحصيل القيام، فإذا اعتدل قائمًا أجزأه ذلك بالإجماع، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث المسيء في صلاته: (ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا)، وقال في الحديث المتفق عليه: فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وهذا الاعتدال مختلف في ركنيته، كما أنه مختلف في وجوب الطمأنينة فيه، فلا يقاس الأدنى على الأعلى.

ثم الاحتجاج بالقياس دليل على ضعف القول؛ إذ لو كان القبض مشروعًا لحفظ في النصوص ما يدل على مشروعيته، ولما احتجنا إلى باب القياس في عبادة تتكرر في اليوم خمس مرات، فالقياس دليل على غياب النص، لأن حقيقة القياس: قياس ما لا نص فيه على ما ورد فيه نص، وغياب النص دليل على عدم المشروعية، ويبعد أن يكون مشروعًا ثم يهمل نَقَلَةُ الشريعةِ النصوصَ القاضية بمشروعيته، ولو وجد نص لحفظ للأمة لأن حفظه من حفظ الدين، وحفظ الدين قد تعهد الله به.

ولهذا إذا عجز عن القيام فصلى جالسًا، أيقبض يديه اعتبارًا بأنه بدل عن القيام أم يرسلهما اعتبارًا بالهيئة، فهيئة الجلوس لا يشرع فيها القبض ولأن الحكم تعبدي، جاء النص في قبض اليدين قائمًا، وثبوتها في البدل يفتقر إلى نص، والبدل

<<  <  ج: ص:  >  >>