وقد تكلم أهل الأصول، في العام أيدخل فيه الصور النادرة، وغير المعهودة على قولين، وإذا كان هذا الخلاف في ألفاظ الشارع، وهي ألفاظ محكمة، ومفهومها حجة كمنطوقها، بخلاف ألفاظ الرواة، فإن ألفاظها يدخلها ما يدخلها، ومفهومها ليس بحجة، وحديث:(رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان قائمًا في الصلاة قبض بيمينه على شماله) ليس لفظًا نبويًّا، فيجب أن يحمل على المتبادر والمعهود من ألفاظهم.
وإطلاق القيام في الصلاة على قيام الرفع من الركوع فيه نظر، فالمطلوب هو الاعتدال من الركوع، (ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا) متفق عليه، فإذا اعتدل قائمًا فقد حصل الفرض المطلوب، فالقيام فيه لتحصيل الطمأنينة، لا من أجل تحصيل القيام، ومقداره لطيف جدًّا فإذا اعتدل وأقام صلبه، ورجع كل عظم إلى مفصله فقد أجزأه ذلك، وما زاد فهو من القدر المسنون، وليس في هذا القيام ذكر واجب، فالتحميد للمأموم من أذكار الرفع، وقد نص أحمد على أن المأموم لا يزيد عليه، وعلى اختيار الإمام أحمد لا يشرع للمأموم ذكر إذا رفع من الركوع.
والتحميد في حق الإمام من أذكار الاعتدال، ولا يجب عليه؛ لأن ذِكْرَ الانتقال في حقه هو التسميع، فكان هذا القيام خلوًا من ذكر واجب، وكل ذكر يقال بعد الرفع من الركوع فهو مسنون، وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أحيانًا قد يطيل القيام فيه تبعًا لإطالة الركوع فهذا كما قلت مسنون.
وقد اختلف الفقهاء في الاعتدال أهو مقصود لذاته، أم لا، وسبق مناقشة هذا عند الكلام على حكم الاعتدال.
الدليل الثالث:
لا نعلم أحدًا ذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أرسل يديه في الصلاة بعد الركوع، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالأصل في هذا الضم كما يضم قبل الركوع، ومن زعم أنه يرسلهما فعليه الدليل، ولأن الأصل بقاء ما كان على ما كان إبقاء للسنة على حالها.
• ويجاب عن هذا الدليل:
الوجه الأول:
القول بأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أرسل يديه بعد الركوع، إن كان المقصود