للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن بطال: «أجمعوا أن من عليه صلاة الظهر فدخل في المسجد ليصليها فأقيمت عليه العصر أنه لا يقطع صلاته ويكملها» (١).

وهو نفي بمعنى النهي، فيكون معنى الحديث: إذا أقيمت الصلاة فلا تُصَلِّ إلا المكتوبة، والأصل فيه التحريم، وهل يراد به نفي الصحة؟ لأن نفي الوجود غير ممتنع بإقامة الصلاة، ولأن النهي يقتضي الفساد، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد، أم أن التحريم لا يمنع من الصحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المتنفل بقطع الصلاة، فأنكر عليه، وتركه يتم النافلة؟ قولان هما وجهان في مذهب الحنابلة، وقال المالكية: تحرم، وتصح (٢).

وقيل: النهي للكراهة، ويكون النفي (لا صلاة) أي كاملة، ورجحه ابن حجر.

قال ابن حجر: «قوله (فلا صلاة) أي صحيحة، أو كاملة، والتقدير الأول أولى؛ لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة، لكن لما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المصلي، واقتصر على الإنكار دل على أن المراد نفي الكمال» (٣).

يقصد ابن حجر قصة الرجل الذي كان يصلي بعد ما أقيمت الصلاة، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع عليه صلاته، يحتمل ما ذكره ابن حجر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تركه ليتم صلاته كان ذلك دليلًا على كراهة الفعل.

ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم تركه؛ لأنه دخل بالصلاة جاهلًا، ولا تكليف قبل العلم.

واحتمال ثالث لم يتطرق إليه ابن حجر، أن تكون الصلاة صحيحة مع التحريم، والله أعلم.

وأما حديث ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم جذبه فلا يصح، وسوف يأتي تخريجه إن


(١). شرح البخاري لابن بطال (٢/ ٢٨٨)، وانظر التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٦/ ٤٦٦).
(٢). جاء في لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (٢/ ٤٢٨): «يحرم ابتداؤها، كما صرح به ابن عرفة وغيره، وإذا فعل أساء، وأجزأته، وصرح بذلك في التوضيح، والقباب، والبرزلي، والأبي، وحملت الكراهة في ابن الحاجب كالمدونة على التحريم لخبر: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة». وانظر: مواهب الجليل (٢/ ٨٩)، الحاوي للفتاوى (١/ ٤١٠)، الفروع (٢/ ٢٣)، السيل الجرار (ص: ١٦٢، ١٦٣).
(٣). فتح الباري (٢/ ١٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>