للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار، أن نافع بن جبير، أرسله إلى السائب -ابن أخت نمر- يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت في مقامي، فصليت، فلما دخل أرسل إلي، فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة، فلا تَصِلْهَا بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، ألا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج (١).

• وتعقب:

قال ابن عبد البر: «ليس هذا عندي بشيء؛ لأن النهي إنما ورد أن تُصَلِّيَا معًا» (٢).

قلت: مع بعد كلام الطحاوي رحمه الله فإن قوله: (ألا توصل صلاة بصلاة) ليس يراد منه العموم، بدليل أن وصل الفريضة بالفريضة كما في الصلاة المجموعة لا تدخل في النهي، وكذلك وصل النافلة بالنافلة كما في صلاة التراويح لا تدخل فيه أيضًا، وكذلك لا يدخل فيه وصل الفريضة بالنافلة كما لو صلى الراتبة القبلية ثم أقيمت الصلاة، فقام يصلي الفريضة في مكانه لم يدخل في النهي، وإنما حديث معاوية في وصل النافلة بالفريضة، وهي مسألة خلافية بين الصحابة رضي الله عنهم، ومن أخذ بحديث معاوية فلا يتجاوز فيه سببه، وهو النهي إما عن وصل النافلة بالفريضة حتى لا يدخل الفريضة ما ليس منها ومسألتنا عكسها، وإما في الصلاة بعد الجمعة خاصة، وإما في وصل الإمام دون المأموم، هذه هي الأقوال في المسألة» (٣).


(١). صحيح مسلم (٧٣ - ٨٨٣).
(٢). الاستذكار (٢/ ١٣١).
(٣). روى ابن أبي شيبة في المصنف (٦٠١٢) حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن عطاء، أن ابن عباس وابن الزبير، وأبا سعيد وابن عمر كانوا يقولون: لا يتطوع حتى يتحول من مكانه الذي صلى فيه الفريضة. وإسناده صحيح.
فالمسألة في وصل النافلة بالفريضة، وليس العكس.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف (٥٤٢٦)، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: حدثنا عطاء، قال: رأيت ابن عمر صلى الجمعة، ثم تنحى من مكانه، فصلى ركعتين فيهما خفة، ثم تنحى من مكانه ذلك فصلى أربعًا هي أطول من تَيْنِك. ...
وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وروى أبو داود في السنن (١١٢٧) والبيهقي في السنن الكبرى (٣/ ٣٤١) من طريق أبي الربيع (سليمان بن داود) ومحمد بن عبيد، عن حماد ابن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه رأى رجلًا يصلي بعد الجمعة ركعتين في مقامه، فدفعه، وقال: تصلي الجمعة أربعًا؟ وأبو الربيع من أصحاب حماد بن زيد، وسنده صحيح وباقي رجال الإسناد كلهم ثقات.

وقد يقال: إن هذا خاص في الجمعة، فقد روى البخاري في صحيحه (٨٤٨) من طريق أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة، وفعله القاسم.
وروى عبد الرزاق في المصنف (٣٩٢٢، ٣٩٢٣) من طريق عبيد الله بن عمر، وأخيه عبد الله ابن عمر المكبر، عن نافع بنحوه.
وفيه قول آخر: أن هذا خاص بالإمام، قال ابن قدامة في المغني (١/ ٤٠٣): «قال أحمد: لا يتطوع الإمام في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة، كذا قال علي بن أبي طالب. قال أحمد: ومن صلى وراء الإمام فلا بأس أن يتطوع مكانه، فعل ذلك ابن عمر، وبهذا قال إسحاق». اهـ
وقال البخاري (١/ ١٦٩): ويذكر عن أبي هريرة رفعه: لا يتطوع الإمام في مكانه، ولم يصح.
وأثر علي بن أبي طالب الذي ذكره ابن قدامة لا يصح، وسوف يأتي بحث هذه المسألة في مظانها من البحث إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>