أن القاعدة عند أهل العلم أنه لا يصار إلى الترجيح إلا إذا تعذر الجمع، والجمع غير متعذر، وسوف نبين وجه الجمع عند الجواب على دعوى الاضطراب.
الجواب الثاني:
كون إحدى الروايات محتملة والباقي صريحة، لا يقتضي هذا التعارض بينها، بل تحمل الرواية المحتملة على الرواية الصريحة.
قال ابن رجب:«إذا كان أحد الألفاظ محتملًا، والآخر صريحًا لا احتمال فيه، علم أنهم أرادوا باللفظ المحتمل: هو ما دل عليه اللفظ الصريح الذي لا احتمال فيه، وأن معناهما عندهم واحد، وإلا لكان الرواة قد رووا الحديث الواحد بألفاظ مختلفة متناقضة، ولا يظن ذلك بهم مع علمهم وفقههم وعدالتهم وورعهم.
لا سيما وبعضهم قد زاد في الحديث زيادة تنفي كل احتمال وشك، وهي عدم ذكر قراءة البسملة في القراءة، وهذه زيادة من ثقات عدول حفاظ، تقضي على كل لفظ محتمل، فكيف لا تقبل؟ لا سيما وممن زاد هذه الزيادة الأوزاعي، فقيه أهل الشام وإمامهم وعالمهم، مع ما اشتهر من بلاغته، وفصاحته، وبلوغه الذروة العليا من ذلك.
والذي روى نفي قراءة البسملة من أصحاب حميد، هو مالك، ومالك مالك في فقهه، وعلمه، وورعه، وتحريه في الرواية، فكيف ترد روايته المصرحة بهذا المعنى برواية شيوخ ليسوا فقهاء لحديث حميد بلفظ محتمل؟
فالواجب في هذا ونحوه: أن تجعل الرواية الصريحة مفسرة للرواية المحتملة؛ فإن هذا من باب عرض المتشابه على المحكم، فأما رد الروايات الصريحة للرواية المحتملة فغير جائز، كما لا يجوز رد المحكم للمتشابه» (١).
وقال ابن تيمية رحمه الله: من زعم أن بعض الناس روى حديث أنس بالمعنى الذي فهمه، وأنه لم يكن في لفظه إلا قوله: (يستفتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ