يمكن لأنس أن يذهل عن شيء حفظه من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وحفظه عن خلفائه وقد صحب أبا بكر وعمر وعثمان خمسًا وعشرين سنة، فإذا كان حكم قراءة الفاتحة في الصلاة ليس عرضة للنسيان، فكذلك حكم البسملة فيها، ولقد رأيت من كبار السن من لا يتعرف على أولاده بسبب تقدم العمر، ولا يضيع شيئًا من صلاته.
وإن كان المسؤول عنه مختلفًا، فلا يستنكر اختلاف الجواب لاختلاف السؤال، وإن كنت أرجح أن جواب أنس رضي الله عنه لقتادة لم يختلف عن جوابه لأبي مسلمة:
فقول أنس لقتادة: ما سألني عنه أحد قبلك، ليس اعتذارًا عن الجواب، وإنما إشادة بقتادة، وحرصه على العلم.
وكان الجواب في إحدى الروايتين: أنهم كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، وهو يتضمن نفي قراءة البسملة، كما في رواية البخاري.
وفي رواية مسلم: فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم}.
وقول أنس لأبي مسلمة: لا أحفظه، أي لا أحفظ الجهر بالبسملة، فيكون الضمير في قوله:(لا أحفظه) عائدًا إلى المسؤول عنه، ويكون قوله: لا أحفظه جوابًا وليس اعتذارًا عن الجواب كما فهمه بعضهم، فيتفق الجواب في الروايتين:
إحداهما: تنقل الاستفتاح بـ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}.
والثانية: لا تحفظ الجهر بـ {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم}، والمعنى واحد، يدل على عدم الجهر بالبسملة (١).
والدليل على أن السؤال من قتادة ومن أبي مسلمة كان عن الاستفتاح بالبسملة، لا عن الاستفتاح بأي سورة.
أن مسلمًا روى الحديث من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن قتادة بلفظ: فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم}.
ثم ساق مسلم رواية أبي داود الطيالسي، عن شعبة، قال: فقلت لقتادة أسمعته
(١). ذكر الجهر بالبسملة مختصرًا الأصل للخطيب ومختصره الذهبي، مخطوط نشر في برنامج جوامع الكلم المجاني التابع لموقع الشبكة الإسلامية (ص: ٢٩).