للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ثقة من أصحاب أبي هريرة أنه حدث عن أبي هريرة أنه عليه السلام كان يجهر بالبسملة في الصلاة» (١).

والتفرد علة عند المتقدمين، إلا أني أرى أن الحمل فيه على تفرد سعيد بن أبي هلال، وهو صدوق، وحكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، وعادة أهل الحديث أن يكون الحمل على أضعف رجل في الإسناد.

العلة الثانية: المخالفة، فقد رواه البخاري ومسلم من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة، وليس فيه ذكر قراءة البسملة والجهر بها، وهو المحفوظ (٢).

الجواب الثاني:

لا يلزم من العلم بقراءة أبي هريرة للبسملة أن يكون قد جهر بها، فالقراءة أخص من الجهر، فقد يكون سمع منه البسملة في مخافَتَةٍ لقربه منه، وربما سمع بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآي في الصلاة السرية، ولا يعني هذا أنه قصد الجهر بها، وقد تسمع أحيانًا بعض قراءة من بجانبك، وإن لم يقصد الجهر، وقد يكون أبو هريرة جهر للتعليم، كما جهر عمر بدعاء الاستفتاح، والله أعلم.

الجواب الثالث:

أن الحديث قال: (فقرأ البسملة ثم قرأ بأم القرآن) والعطف يقتضي المغايرة، وفيه إشارة إلى أن البسملة ليست من أم القرآن، فلا تأخذ حكمها في الجهر.

ولو تنازلنا وقلنا: حديث أبي هريرة ظاهره يدل على الجهر بالبسملة، فإن دلالته من قبيل دلالة الظاهر.

والظاهر عند الأصوليين: ما احتمل معنيين أحدهما أرجح من الآخر بخلاف دلالة النص، فإنه لا يحتمل إلا معنى واحدًا.

وإذا تعارض الظاهر مع النص قدم النص، وحديث أنس رضي الله عنه نص في عدم الجهر بالبسملة، فكيف يُقدَّم حديث أبي هريرة على حديث أنس، وقد روى أبو هريرة الحديث القدسي في قسمة الفاتحة بين الله وبين العبد، ولم تدخل


(١). نصب الراية (١/ ٣٣٦).
(٢). انظر تخريجه في الحاشية الأولى من الصفحة التالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>