قالوا: ربَّنا أنْتَ السلامُ، ومنكَ السلامُ، ولكَ حقُّ الجلالِ والإِكْرامِ، فقال لهُمٍ ربُّهم: إنِّي أنا السلامُ، ومنِّي السلامُ، ولي حقُّ الجَلال والإِكْرامِ، فَمَرْحَباً بِعبادي الَّذينَ حَفِظوا وَصِيَّتي، ورَعَوْا عَهْدي، وخَافُوني بالغَيْبِ، وكانوا منِّي على كلِّ حالٍ مُشْفِقين، قالوا: أما وعِزَّتِكَ وجَلالِك، وعلُوِّ مكانِك، ما قَدَرْنَاك حقَّ قدْرِكَ، ولا أدَّينا إليكَ كلَّ حَقِّكَ، فَائْذَنْ لنا بالسجود لكَ، فقال لهُمْ ربُّهم تبارَك وتعالى: إنِّي قد وضَعْتُ عَنْكُمْ مَؤنَةَ العِبادَةِ، وأرَحْتُ لَكُمْ أبْدانَكُم، فطالَما أَنْصَبْتُم الأبْدانَ وأَعْنَيْتُمُ [لي] الوُجوهَ، فالآن أفْضَيْتُم إلى روحي ورحمتي وكَرامتي، فسَلوني ما شِئْتُم، وتَمَنَّوا عليَّ أُعْطِكُم أمانِيَّكُمْ، فإنِّي لَنْ أجزيكم اليومَ بقَدْرِ أعْمالِكُم، ولكنْ بقَدْرِ رَحمَتي، وكرامَتي وطَوْلي، وجَلالي وعُلُوِّ مكاني، وعظَمَةِ شأني، فَما يزالونَ في الأَماني والمواهِبِ والعطَايا، حتى أنَّ المقَصِّرَ منهم لَيَتَمنَّى مثلَ جَميعِ الدنيا، منْذُ يوْمَ خَلَقها الله عزَّ وجلَّ إلى يومِ أفْناها! قال ربُهم: لقد قَصَّرْتُم في أمانيِّكُمْ، ورضيتمُ بدونِ ما يَحِقُّ لَكُمْ، فقد أوْجَبْتُ لكم ما سأَلْتُم وتمَنَّيْتُم، [وأَلحقت بكم ذرَّيتكم] وزِدْتُكم على ما قَصُرَتْ عنهُ أمانِيكُم، فانظُروا إلى مَواهِبِ ربِّكم الذي وَهَب لَكُم، فإذا بقِبابٍ في الرَّفيع الأعْلى، وغُرَفٍ مَبْنِيَّة مِنَ الدرِّ والمرجان، أبوابها من ذهب، وسُرُرُها منْ ياقوتٍ، وفُرُشها من سندسٍ وإسْتَبرقٍ، ومنابرها من نورٍ، يَثورُ مِنْ أبوابَها وأعْراصِها نورٌ كشُعاعِ الشمسِ، مثلُ الكَوْكَبِ الدرِّيِّ في النارِ المُضيء، وإذا قصورٌ شامِخَةٌ في أعَلى عِلِّيِّينَ مِنَ الياقُوتِ، يُزْهِرُ نورُها، فَلولا أَنَّهُ سُخِّر لالتَمع الأبْصار، فما كان مِنْ تلك القصورِ من الياقوتِ الأبْيض فهو مفروشٌ بالحرير الأبيض، وما كانَ منها من الياقوت الأحْمَر فهو مفروشٌ بالعَبْقَريِّ الأحْمرِ، وما كانَ منها من الياقوت الأخضر فهو مفروشٌ بالسُّنْدسِ الأخْضَر، وما كان منها من الياقوتِ الأصْفَر