للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إن النصوص تتحدث عن جسد: "إن لجسدك عليك حقا" (١). وعن روح: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} (٢) وتتحدث عن نفس: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} (٣). وتتحدث عن قلب. "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب" (٤). وتتحدث عن عقل: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.

وأحيانا تتحدث النصوص عن النفس وتريد بها الذات كلها: الجسم والعقل والقلب والروح: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} (٥). وأحياناً تتحدث عن القلب وأنه محل العقل: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (٦).

وأحياناً تشعر النصوص بأن المراد بالنفس الذات متلبسة بحالة قلبية: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (٧) {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (٨).

والإنسان يحس بأن محل التفكير الدماغ، والدرسات المعاصرة وقفت بالنسبة للإنسان أمام مجهولات كثيرة، فلقد تبين أنه لو فقد الإنسان قسماً كبيراً من مخه فإنه لا يفتقد ذاكرته، ولم تزل أبحاث الذاكرة في دائرة المجهول، والماديون ينكرون الروح أصلاً، والكافرون لا يحسون بقلوبهم التي هي محل الكفر والإيمان، فهم يتكلمون بعيدين عن الجانب الغيبي في الإنسان، وكما ذكرنا من قبل فقد تأثر بعض المسلمين بأفكار غير إسلامية، حتى زعم بعضهم أن المراد بالقلب في الاصطلاح الشرعي هو الدماغ، وهذا شيء له خطورته في العقيدة والتربية والسلوك، فهو إنكار لشيء تتوطأ عليه النصوص، محددة له أنه في الصدر: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (٩) {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (١٠)، (أفمن شرح الله صدره للإسلام) (١١). كل ذلك يقتضي كلاماً ضمن الحدود التي لا بد منها، فالمؤمن مكلف بالإيمان بأن له عقلاً هو محل إدراك الخطاب، وبهذا العقل تقوم عليه الحجة، ومكلف أن يؤمن بأن له قلباً عليه أن


(١) أخرجه البخاري ومسلم.
(٢) الإسراء: ٨٥.
(٣) الشمس: ٧.
(٤) رواه مسلم.
(٥) الكهف: ٧٤.
(٦) الحج: ٤٦.
(٧) الفجر: ٢٧.
(٨) الرعد: ٢٨.
(٩) الحج: ٤٦.
(١٠) الأنعام: ١٢٥.
(١١) الزمر: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>