للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن تأثير معاصي الله تعالى في الأرض، ما يحل بها من الخسف والزلازل، ويمحق بركتها، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود، فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون، ومن شرب مياههم، ومن الاستقساء من آبارهم، حتى أمر أن لا يعلف العجين الذي عجن بمياههم لنواضح الإبل، لتأثير شؤم المعصية في الماء.

وكذلك شؤم تأثير الذنوب في نقص الثمار وما يرى بها من الآفات، وقد ذكر الإمام أحمد في "مسنده" ٢: ٢٩٦، في ضمن حديثٍ قال: وجدت في خزائن بعض بني أمية حنطة، الحبة بقدر نواة التمرة، وهي في صرةٍ مكتوب عليها: كان هذا ينبت في زمن العدل.

وكثير من هذه الآفات أحدثها الله سبحانه وتعالى، بما أحدث العباد من الذنوب. وأخبرني جماعة من شيوخ الصحراء أنهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي الآن، وكثير من هذه الآفات التي تصيبها، لم يكونوا يعرفونها، وإنما حدثت من قرب.

وأما تأثير الذنوب في الصور والخلق، فقد روى الترمذي في "جامعه" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خلق الله آدم وطوله في السماء ستون ذراعًا، ولم يزل الخلق ينقص حتى الآن".

فإذا أراد الله أن يطهر الأرض من الظلمة والخونة والغجرة، يخرج عبدًا من عباده، من أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم، فيملأ الأرض قسطًا كما ملئت جورًا، ويقتل المسيح: اليهود والنصارى، ويقيم الدين الذي بعث الله به رسوله، وتخرج الأرض بركاتها، وتعود كما كانت، حتى إن العصابة من الناس، ليأكلون الرمانة ويستظلون بقحفها، ويكون العنقود من العنب وقر بعير، ولبن اللقحة الواحدة -أي الناقة ذات اللبن- يكفي الفئام من الناس- أي الجماعة من الناس-.

وهذا لأن الأرض لما طهرت من المعاصي، ظهرت فيها آثار البركة من الله تعالى، التي محقتها الذنوب والكفر. ولا ريب أن العقوبات التي أنزلها الله في الأرض، بقية آثارها سارية في الأرض، تطلب ما يشاكلها من الذنوب التي هي آثار تلك الجرائم التي عذبت بها الأمم، فهذه الآثار في الأرض، من آثار العقوبات، كما أن هذه المعاصي من آثار الجرائم". انتهى كلام الحافظ ابن القيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>