وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ٥: ٣٦٤، عند قوله تعالى في سورة الروم:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
"المراد بالبر هنا: الفيافي، وبالبحر: الأمصار والقرى. ومعنى قوله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} أي إن النقض في الزروع والثمار بسبب المعاصي.
وقال أبو العالية: من عصى الله في الأرض، فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: "لحد يقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا".
والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت، انكف الناس أو أكثرهم أو كثير منهم عن تعاطي المحرمات، وإذا تركت المعاصي، كان ذلك سببًا في حصول البركات من السماء والأرض.
ولهذا إذا نزل عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، يحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت، من قتل الخنزير، وكسر الصليب، ووضع الجزية وهو تركها، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه، ويأجوج ومأجوج، قيل للأرض: أخرجي بركتك، فيأكل من الرمانة الفئام من الناس، ويستظلون بقحفها، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس.
وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير، ولهذا ثبت في "الصحيحين": "أن الفاجر إذا مات يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب".
وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا محمد والحسين. قالا: حدثنا عوف، عن أبي قحذمٍ، قال: وجد رجل في زمان زياد -بن أبيه المتوفي سنة ٥٣ - ، أو ابن زياد- عبيد الله ابن زياد بن أبيه المتوفي سنة ٦٧ - : صرة فيها حب، يعني من بر أمثال النوى،