للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخَرَ فَلَا يُنَافِي أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ وَإِنْ أَرَادَ مَغْفِرَةَ جَمِيعِ ذُنُوبِهِ صَحَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الدَّاخِلِينَ النَّارَ الْخَارِجِينَ بِالشَّفَاعَةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَلَمْ يُشْرِكْهُمْ فِي جُمْلَةِ مَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ صَحَّ أَيْضًا إذْ لَا مُنَافَاةَ فَلَا رَدَّ عَلَى النُّبُوَّةِ وَإِنْ أَرَادَ اشْتِرَاكَهُمْ مَعَهُ فِي جُمْلَةِ مَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَغْفِرَةُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ.

وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ طَلَبَ الْمَلَائِكَةِ الْمَغْفِرَةَ لِلْمُؤْمِنِ بِقَوْلِهِمْ {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر: ٧] وقَوْله تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: ٥] لَا عُمُومَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لِكَوْنِهَا أَفْعَالًا فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا تَعُمُّ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَتْ لِلْعُمُومِ لَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا الْخُصُوصَ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لِلْقَوَاعِدِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ الدَّاعِي قَوْلَهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ جَازَ لِأَنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا تَعُمُّ كَمَا أَطْلَقَتْهُ الْمَلَائِكَةُ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

آخَرَ فَلَا يُنَافِي الدُّعَاءُ أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ، وَإِنْ أَرَادَ مَغْفِرَةَ جَمِيعِ ذُنُوبِهِ صَحَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الدَّاخِلِينَ النَّارَ الْخَارِجِينَ بِالشَّفَاعَةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَلَمْ يُشْرِكْهُمْ فِي جُمْلَةِ مَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ صَحَّ أَيْضًا إذْ لَا مُنَافَاةَ فَلَا رَدَّ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ اشْتِرَاكَهُمْ مَعَهُ فِي جُمْلَةِ مَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَغْفِرَةُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ طَلَبَ الْمَلَائِكَةِ الْمَغْفِرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِمْ {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر: ٧] وقَوْله تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: ٥] لَا عُمُومَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لِكَوْنِهَا أَفْعَالًا فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا تَعُمُّ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَتْ لِلْعُمُومِ لَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا الْخُصُوصَ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لِلْقَوَاعِدِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَطْلَقَ الدَّاعِي قَوْلَهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ جَازَ لِأَنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ؛ لِأَنَّ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ لَا تَعُمُّ كَمَا أَطْلَقَتْهُ الْمَلَائِكَةُ) .

قُلْت لَقَدْ كَلَّفَ هَذَا الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ شَطَطًا وَادَّعَى دَوَاعِيَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَهْمًا مِنْهُ وَغَلَطًا، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّفَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَضَى بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَغْفِرُ لَهُ، وَمِنْ أَيْنَ تَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ بَيْنَ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَوُجُوبِ نَقِيضِهَا؟ هَذَا أَمْرٌ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا إلَّا مُجَرَّدَ التَّحَكُّمِ بِمَحْضِ التَّوَهُّمِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا عُمُومَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر: ٧] وقَوْله تَعَالَى

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِي قِتَالِ الْحَجَّاجِ وَعَرَّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْقَتْلِ وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلَائِقُ كَثِيرَةٌ بِسَبَبِ إزَالَةِ ظُلْمِ الْحَجَّاجِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ لَا فِي الْأُصُولِ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْجَدِّ وَالْعَزَائِمِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ فَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الْعُظْمَى إنَّمَا تُمْنَعُ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَبِيلِ أَمَّا هَذَا فَلَا، وَأَنَّ لِلنَّدَبِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ

(الْحَالَةُ الْأُولَى) : مَا إذَا كَانَ الْمُلَابِسُ لِلْمُنْكَرِ لَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ، وَلَا حُرْمَتَهُ، وَهُوَ مُتَقَارِبُ الْمَدَارِكِ

(وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) مَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ مَكْرُوهًا لَا حَرَامًا، وَالْمَتْرُوكُ مَنْدُوبًا لَا وَاجِبًا

(وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) مَا إذَا فُقِدَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ بِأَنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ الْإِزَالَةُ وَعَدَمُهَا وَالتَّأْثِيرُ وَعَدَمُهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْإِزَالَةِ وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَالَةِ الْأُولَى لِلتَّحْرِيمِ، وَالْحَالَةِ الْأُولَى لِلنَّدَبِ أَنَّ لِلْوُجُوبِ حَالَةً ثَانِيَةً هِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُلَابِسُ لِلْمُنْكَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى إنْكَارِهِ أَوْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مَعَ ضَعْفِ مَدْرِك التَّحْلِيلِ جِدًّا يُعْتَقَدُ حِلُّهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(وَصْلٌ) مَرَاتِبُ الْإِنْكَارِ ثَلَاثَةٌ دَلَّ عَلَيْهَا مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ» وَيُرْوَى «وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وَفِي الصَّحِيحِ نَحْوُهُ وَأَقْوَاهَا أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا مَعَ الْقُدْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ انْتَقَلَ لِلتَّغْيِيرِ بِالْقَوْلِ، وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ وَلْيَكُنْ الْقَوْلُ بِرِفْقٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَمَرَ مُسْلِمًا بِمَعْرُوفٍ فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ كَذَلِكَ» قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: ٤٦] فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقَوْلِ انْتَقَلَ لِلرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ، وَهِيَ أَضْعَفُهَا قَالَ الْأَصْلُ: وَعَجْزُهُ عَنْ الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ أَوْ بِالْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ النَّاسِ إيمَانًا لَا يُنَافِي تَعْظِيمَهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَقُوَّةَ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَهُ أَوْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ بِسَبَبِ عَجْزِهِ عَنْ الْإِنْكَارِ لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ، أَوْ نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ الْقُرْبَةِ نَقْصُ الْإِيمَانِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» الْإِيمَانُ الْفِعْلِيُّ الْوَارِدُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣] أَيْ صَلَاتَكُمْ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالصَّلَاةُ فِعْلٌ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْإِيمَانُ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ شُعْبَةً، وَقِيلَ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ» وَهَذِهِ التَّجْزِئَةُ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْأَفْعَالِ وَقَدْ سَمَّاهَا إيمَانًا وَأَقْوَى الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ إزَالَةُ الْيَدِ لِاسْتِلْزَامِهِ إزَالَةَ الْمَفْسَدَةِ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ الْقَوْلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَقَعُ مَعَهُ الْإِزَالَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>