للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَفْوُ عَنْهُ بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تُظْهِرْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ أَظْهِرْ لَهُ فِيهِ صَلَاحَهُ وَاسْتِصْلَاحَهُ وَمَنْ يَجُودُ إذَا جُدْت عَلَيْهِ كَانَ سِمَةَ خَيْرٍ فَيَنْبَغِي إظْهَارُ ذَلِكَ لَهُ وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ فَلَا تَدْعُو عَلَيْهِ بِمُلَابَسَةِ مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِالْكُفْرِ فَإِنَّ إرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَإِرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ بَلْ تَدْعُو عَلَيْهِ بِإِنْكَادِ الدُّنْيَا وَلَا تَدْعُو عَلَيْهِ بِمُؤْلِمَةٍ لَمْ تَقْتَضِهَا جِنَايَتُهُ عَلَيْك بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَيْك جِنَايَةً فَتَدْعُوَ عَلَيْهِ بِأَعْظَمَ مِنْهَا فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْك؛ لِأَنَّك جَانٍ عَلَيْهِ بِالْمِقْدَارِ الزَّائِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الضَّوَابِطَ وَلَا تَخْرُجْ عَنْهَا.

فَإِنْ قُلْت فَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْهُ سُوءَ الْخَاتِمَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى طَلَبِ الْكُفْرِ هَلْ يَكُونُ هَذَا الدَّاعِي كَافِرًا أَوْ لَا لِأَنَّ إرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَالطَّالِبَ مُرِيدٌ لِمَا طَلَبَهُ قُلْت الدَّاعِي لَهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْعَفْوُ عَنْهُ بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تُظْهِرْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ أَظْهِرْ لَهُ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ وَاسْتِصْلَاحُهُ وَمَنْ يَجُودُ إذَا جُدْت عَلَيْهِ كَانَ سِمَةَ خَيْرٍ فَيَنْبَغِي إظْهَارُ ذَلِكَ لَهُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ فَلَا يَدْعُ عَلَيْهِ بِمُلَابَسَةِ مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِالْكُفْرِ فَإِنَّ إرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَإِرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ) قُلْت لَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ عِنْدِي بِصَحِيحٍ بَلْ إنْ اقْتَرَنَ بِإِرَادَةِ الْمَعْصِيَةِ قَوْلٌ فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ فِعْلٌ فَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ وَإِلَّا فَلَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» فَإِرَادَةُ الْكُفْرِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ عُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلَا أَعْلَمُ لِهَذَا الْحَدِيثِ الْآنَ مُعَارِضًا فَلَا كُفْرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. هَذَا فِي إرَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَعْصِيَ أَوْ أَنْ يَكْفُرَ فَكِلَا الْإِرَادَتَيْنِ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (بَلْ تَدْعُو عَلَيْهِ بِإِنْكَادِ الدُّنْيَا وَلَا تَدْعُ عَلَيْهِ بِمُؤْلِمَةٍ لَمْ تَقْتَضِهَا جِنَايَتُهُ عَلَيْك بِأَنْ يَجْتَنِيَ عَلَيْك جِنَايَةً فَتَدْعُوَ عَلَيْهِ بِأَعْظَمَ مِنْهَا فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْك؛ لِأَنَّك جَانٍ عَلَيْهِ بِالْمِقْدَارِ الزَّائِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الضَّوَابِطَ وَلَا تَخْرُجْ عَنْهَا) .

قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ. قَالَ (فَإِنْ قُلْت فَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْهُ سُوءَ الْخَاتِمَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى طَلَبِ الْكُفْرِ هَلْ يَكُونُ هَذَا الدَّاعِي كَافِرًا أَوْ لَا لِأَنَّ إرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَالطَّالِبَ مُرِيدٌ لِمَا طَلَبَهُ؟ قُلْت الدَّاعِي لَهُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَقْبَحُ الدُّعَاءِ وَدَلِيلُ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ مَا رُوِيَ مَنْ دَعَا لِفَاسِقٍ بِالْبَقَاءِ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى وَمَحَبَّةُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَرَّمَةٌ.

٢ -

(وَالْقِسْمُ السَّادِسُ) مِنْ السِّتَّةِ الدُّعَاءُ الْمُوهِمُ اسْتِئْنَافَ صِفَتَيْ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ كَقَوْلِ الدَّاعِي اللَّهُمَّ قَدِّرْ لَنَا أَوْ اقْضِ لَنَا بِالْخَيْرِ وَاسْتِئْنَافُ الْعِلْمِ كَقَوْلِ الدَّاعِي اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَعَادَتَنَا مَقْدُورَةً فِي عِلْمِك. قَالَ الْأَصْلُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدُّعَاءَ بِوَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبَلَ لِأَنَّهُ طَلَبٌ وَالطَّلَبُ فِي الْمَاضِي مُحَالٌ فَيَكُونُ مُقْتَضَى الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنْ يَقَعَ تَقْدِيرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الزَّمَانِ وَالتَّقْدِيرِ جَمِيعِهِ وَقَعَ فِي الْأَزَلِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ اللَّهُمَّ قَدِّرْ إلَخْ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الثَّانِي اللَّهُمَّ اقْضِ إلَخْ لِأَنَّ مَعْنَى اقْضِ مُسَاوٍ فِي الْمُعَرَّفِ جَمِيعِهِ وَقَعَ فِي الْأَزَلِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ اللَّهُمَّ قَدِّرْ إلَخْ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الثَّانِي اللَّهُمَّ اقْضِ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى اقْضِ مُسَاوٍ فِي الْمُعَرَّفِ لِمَعْنَى قَدِّرْ يَقْتَضِي مَذْهَبَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فِي الْأَزَلِ وَأَنَّ الْأَمْرَ أَنِفَ كَمَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْخَوَارِجِ وَهُوَ فِسْقٌ بِالْإِجْمَاعِ.

قَالَ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ الثَّالِثِ لِأَنَّ الَّذِي يَتَقَدَّرُ فِي الْعِلْمِ هُوَ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ الْقَدِيمَةُ فَكُلَّمَا يَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِهِ يَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِهِ فَيَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالسَّعَادَةِ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا لِمَا مَرَّ. نَعَمْ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اُقْدُرْ أَوْ اقْضِ إلَخْ مُحَرَّمًا لِلْإِيهَامِ الْمَذْكُورِ إلَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا إنْ أَرَادَ بِالتَّقْدِيرِ التَّيْسِيرَ مَجَازًا فَلَا حُرْمَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيمَا وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ «قَوْلِهِ فِي الِاسْتِخَارَةِ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ وَرَضَّنِي بِهِ» بِمَعْنَى التَّيْسِيرِ مَجَازًا اهـ، وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ إنَّ الدُّعَاءَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَإِنْ أَوْهَمَا اسْتِئْنَافَ صِفَتَيْ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ لَا يَفْتَقِرَا إلَى نِيَّةٍ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ بَعْدَ أَنْ وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ فِي الِاسْتِخَارَةِ وَاقْدُرْ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى اسْتِحَالَةِ اسْتِئْنَافِ صِفَتَيْ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ وَمُعَيِّنَةٌ لِلْحَمْلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مَا يَجُوزُ مِنْ اسْتِئْنَافِ الْمَقْدُورِ، وَالْمُرَادُ فَلَا امْتِنَاعَ فِيهِمَا لِلْإِيهَامِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ الثَّالِثُ فَيَمْتَنِعُ لِإِيهَامِهِ اسْتِئْنَافَ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ الشَّارِعِ اسْتِئْنَافُ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْت مِثْلُ مَا وَرَدَ فِي اسْتِئْنَافِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاسْتِخَارَةِ وَاقْدُرْ فَلَيْسَ الْإِيهَامُ هُنَا مِثْلَ الْإِيهَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِعَدَمِ وُرُودِ الْإِيهَامِ هُنَا عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا عَلِمْت وَوُرُودَهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَاكَ. اهـ.

قُلْت وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ أَنَّ مُوهِمَ مَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا وَرَدَ هُوَ نَفْسُهُ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ كَالِاسْتِوَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] وَالْفَوْقِيَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠] وَالْإِتْيَانِ فِي قَوْله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>