حَالَتَانِ تَارَةً يُرِيدُ الْكُفْرَ بِالْعَرَضِ لَا بِالذَّاتِ فَيَقَعُ تَابِعًا لِمَقْصُودِهِ لَا أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَهَذَا لَيْسَ بِكَافِرٍ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَدِدْت أَنْ أُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلَ» فَقَدْ طَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ كُفْرٌ لَكِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُرَادُهُ وَمَقْصُودُهُ مَنَازِلُ الشُّهَدَاءِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ وَقَعَ تَابِعًا لِمَقْصُودِهِ لَا أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَمِثْلُ هَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ مِنْ قَوْلِهِ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة: ٢٩] مَقْصُودُهُ إنَّمَا هُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الْقَتْلِ لَا مِنْ أَنْ يَقْتُلَ وَيَصْدُرَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْقَتْلِ.
وَإِنْ لَزِمَ عَنْ ذَلِكَ مَعْصِيَةُ أَخِيهِ بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» فَأَمَرَهُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَعْزِمَ هُوَ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ السَّلَامَةُ وَوَقَعَ غَيْرُ ذَلِكَ تَبَعًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
حَالَتَانِ: تَارَةً يُرِيدُ الْكُفْرَ بِالْعَرَضِ لَا بِالذَّاتِ فَيَقَعُ تَابِعًا لِمَقْصُودِهِ لَا أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَهَذَا لَيْسَ بِكَافِرٍ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَدِدْت أَنْ أُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلَ» فَقَدْ طَلَبَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ كُفْرٌ لَكِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُرَادُهُ وَمَقْصُودُهُ مَنَازِلُ الشُّهَدَاءِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ وَقَعَ تَابِعًا لِمَقْصُودِهِ لَا أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَمِثْلُ هَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُرِيدَ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكَافِرٍ مَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الْكُفْرُ بِقَوْلٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْكُفْرُ قَوْلًا أَوْ بِفِعْلٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِعْلًا فَمُرِيدُ مَا يَلْزَمُ عَنْهُ الْكُفْرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ كَافِرًا. قَالَ (وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ مِنْ قَوْلِهِ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة: ٢٩] مَقْصُودُهُ إنَّمَا هُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الْقَتْلِ لَا مِنْ أَنْ يَقْتُلَ وَيَصْدُرَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْقَتْلِ، وَإِنْ لَزِمَ عَنْ ذَلِكَ مَعْصِيَةُ أَخِيهِ بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ) قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كُفْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ (وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» فَأَمَرَهُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَعْزِمَ هُوَ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ السَّلَامَةُ وَوَقَعَ غَيْرُ ذَلِكَ تَبَعًا) قُلْت قَوْلُهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَعْزِمَ هُوَ عَلَى الْقَتْلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مَا أَمَرَهُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ وَلَا نَهَاهُ أَنْ يَعْزِمَ هُوَ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذِكْرُ إرَادَتِهِ وَلَا ذِكْرُ عَزْمِهِ بَلْ أَمَرَهُ بِالِاسْتِسْلَامِ وَتَرْكِ الْمُقَاتَلَةِ الَّتِي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: ٢١٠] وَالْمَجِيءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: ٢٢] وَالْوَجْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: ٢٧] وَالْيَدِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: ١٠] وَالنُّزُولِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَنْزِلُ رَبُّنَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» وَالصُّورَةِ فِي حَدِيثِهِمَا أَيْضًا «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» فَهَذَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ أَمَّا مَعَ التَّأْوِيلِ التَّفْصِيلِيِّ كَمَا هُوَ طَرِيقَةُ الْخَلَفِ بِأَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِوَاءِ الِاسْتِيلَاءُ وَالْمُلْكُ كَمَا قَالَ
قَدْ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ
وَبِالْفَوْقِيَّةِ التَّعَالِي فِي الْعَظَمَةِ دُونَ الْمَكَانِ وَبِالْإِتْيَانِ إتْيَانُ رَسُولِ عَذَابِهِ أَوْ رَحْمَتِهِ وَثَوَابِهِ، وَكَذَا النُّزُولُ وَبِالْوَجْهِ الذَّاتُ أَوْ الْوُجُودُ وَبِالْيَدِ الْقُدْرَةُ وَيَرْجِعُ ضَمِيرٌ عَلَى صُورَتِهِ إلَى الْأَخِ الْمُصَرِّحِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى الَّتِي رَوَاهَا مُسْلِمٌ بِلَفْظِ «إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَتَجَنَّبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» وَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ الصِّفَةُ وَأَمَّا مَعَ التَّأْوِيلِ الْإِجْمَالِيِّ وَيُفَوَّضُ عِلْمُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ تَفْصِيلًا إلَيْهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ طَرِيقُ السَّلَفِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ.
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا وَرَدَ نَظِيرُهُ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَإِلَى مِثَالِهِ وَحُكْمِهِ أَشَارَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الشَّيْخِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ بِقَوْلِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَالَ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ فَاسِقٌ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى اسْتِظْهَارِ بَعْضِ أَشْيَاخِنَا كُفْرَهُ كَيْفَ، وَقَدْ صَحَّ وَجْهٌ لَا كَالْوُجُوهِ وَيَدٌ لَا كَالْأَيْدِي نَعَمْ لَمْ تَرِدْ عِبَارَةُ جِسْمٍ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ بِلَفْظِهَا قُلْت وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ قَوْلُ الْقَائِلِ إنَّهُ تَعَالَى فِي مَكَان لَيْسَ كَمَكَانِ الْحَوَادِثِ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ اسْتِوَاءٌ عَلَى الْعَرْشِ لَا كَالِاسْتِوَاءِ عَلَى السَّرِيرِ نَعَمْ لَمْ تَرِدْ عِبَارَةُ مَكَان بَلْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: حَدِيثُ «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ» يُفِيدُ أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكَانِ أَزَلًا إذْ لَوْلَا تَنَزُّهُهُ عَنْ الْجِهَةِ لَكَانَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِعْرَاجِهِ أَقْرَبَ مِنْ يُونُسَ فِي نُزُولِ الْحُوتِ بِهِ لِقَاعِ الْبَحْرِ كَمَا أَفَادَهُ الْأَمِيرُ فِي الْحَاشِيَة الْمَذْكُورَةِ.
(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَمْ يَرِدْ هُوَ وَلَا نَظِيرُهُ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَإِلَى مِثَالِهِ وَحُكْمِهِ أَشَارَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي الْحَاشِيَة الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْفَلَاسِفَةُ إلَى أَنَّهُ تَعَالَى الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَتَّصِفُ بِالْوُجُودِ أَصْلًا حَتَّى إذَا قَالُوا الْإِنْسَانُ مَوْجُودٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِالْوُجُودِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ