للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ فَهِيَ أَسْبَابٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالسَّبَبُ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِّبَ شَرْطًا وَجُعِلَ عَدَمُهُ مُؤَثِّرًا فِي الْعَدَمِ فَإِذَا كَانَ مُتَضَمِّنًا لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمَقَاصِدُ شَأْنُهَا تَعْجِيلُ النُّطْقِ وَشَأْنُهَا أَنْ تَعُمَّ جَمِيعَ الْجُمَلَ تَكْثِيرًا لِمَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْمَقْصِدِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا لَمْ يُعَجَّلْ بِهِ لَمْ يُفْتِ بِهِ مَقْصِدٌ بَلْ حَصَلَ مَا لَيْسَ بِمَقْصِدٍ وَذَلِكَ فَرْقٌ عَظِيمٌ وَأَمَّا إبْطَالُ جَمِيعِ الْكَلَامِ بِالشَّرْطِ فَلِأَنَّ الْإِبْطَالَ حَالَةَ النُّطْقِ بِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَسْتَتْبِعُ الشَّرْطَ فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْ الْكَلَامِ شَيْءٌ وَقَدْ يَفُوتُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَيَبْطُلُ الْجَمِيعُ وَقَدْ يَفُوتُ فِي الْبَعْضِ فَيَبْطُلُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ حَالَةَ النُّطْقِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهَا الْإِبْطَالُ لَا لِلْكُلِّ وَلَا لِلْبَعْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ عَلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ يُعَدُّ النَّاطِقُ بِهِ نَادِمًا مُقَدَّمًا عَلَى الْهَذْرِ مِنْ الْقَوْلِ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَهُمَا فِي الْإِبْطَالِ وَعَدَمِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَحْكَامِ الْجَائِزَةِ فِي الشَّرْطِ الْمُمْتَنِعَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَشَرْعًا.

(الْفَرْقُ السَّادِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى شَرْطِهِ) فَنَقُولُ: الْحُكْمُ إذَا وَرَدَ مَعَ وَصْفَيْنِ وَمَنَعَ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ الْحُكْمِ بِدُونِهِمَا بِأَيِّ طَرِيقٍ يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا سَبَبٌ وَالْأُخَرُ شَرْطٌ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّوَقُّفِ عَلَيْهِمَا وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ النِّصَابِ وَالْحَوْلِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ وَالْحَوْلَ شَرْطٌ وَلِمَ لَا عَكَسْتُمْ أَوْ سَوَّيْتُمْ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا يُعْلِمُ بِأَنَّ الشَّرْطَ مُنَاسِبٌ فِي غَيْرِهِ وَالسَّبَبُ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ فَإِنَّ النِّصَابَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغِنَى وَنِعْمَةِ الْمِلْكِ فِي نَفْسِهِ وَالْحَوْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُكَمِّلٌ لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ وَنَبْسُطُ ذَلِكَ بِقَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الشَّرْعَ إذَا رَتَّبَ الْحُكْمَ عَقِيبَ أَوْصَافٍ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً فِي ذَاتِهَا قُلْنَا: الْجَمِيعُ عِلَّةٌ وَلَا نَجْعَلُ بَعْضَهَا شَرْطًا كَوُرُودِ الْقِصَاصِ مَعَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، الْمَجْمُوعُ عِلَّةٌ وَسَبَبٌ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ مُنَاسِبًا فِي ذَاتِهِ دُونَ الْبَعْضِ.

قُلْنَا: الْمُنَاسِبُ فِي ذَاتِهِ هُوَ السَّبَبُ وَالْمُنَاسِبُ فِي غَيْرِهِ هُوَ الشَّرْطُ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ فَهَذَا ضَابِطُ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَتَحْرِيرِهِ.

(الْفَرْقُ السَّابِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَالْعِلَلِ الْمُجْتَمِعَةِ) إذَا وَرَدَ الْحُكْمُ عَقِيبَ أَوْصَافٍ بِمَ يُعْلَمُ أَنَّهَا أَجْزَاءُ عِلَّةٍ أَوْ أَنَّهَا عِلَلٌ مُجْتَمِعَةٌ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ عَقِيبَ أَوْصَافٍ يُنْظَرُ إنْ كَانَ صَاحِبُ الشَّرْعِ رَتَّبَ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَعَ كُلِّ وَصْفٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ قُلْنَا: هِيَ عِلَلٌ مُجْتَمِعَةٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْفَرْقُ السَّادِسُ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهِ وَفِي الْفَرْقِ السَّابِعِ وَالثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ صَحِيحٌ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَحَدٌ مِنْ أُخْوَتِك فَوَجَدَ الْجَمِيعَ فِيهَا لِاتِّحَادِ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ كَذَلِكَ هَا هُنَا اهـ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ لَا إنْشَاءٌ وَهُوَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَنَظَرٍ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالسِّرُّ فِي تَفْرِقَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ النِّسَاءِ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَا أَيْ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلٍّ، وَبِتَعَدُّدِهَا فِي مِنْ، وَكَذَا أَيْ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى هُوَ مَا فِي الْبُنَانِيِّ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ عِيَاضٌ الْفَرْقُ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ مَنْ وَأَيِّ لِلْآحَادِ فَعَرَضَ لَهُمَا الْعُمُومُ فَعَمَّتْ الْآحَادَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا آحَادٌ وَأَصْلُ وَضْعِ كُلٍّ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَكَانَتْ كَالْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ أَشْيَاءَ يَحْنَثُ بِفِعْلِ أَحَدِهَا فَحَاصِلُ كَلَامِ عِيَاضٍ أَنَّ مَنْ وَأَيِّ لِكُلِّ فَرْدٍ لَا بِقَيْدِ الْجَمْعِيَّةِ، وَمَدْلُولُ كُلٍّ كَذَلِكَ بِقَيْدِ الْجَمْعِيَّةِ مُنْضَمًّا إلَى التَّحْنِيثِ بِالْأَقَلِّ اهـ.

فَلَا دَلَالَةَ لِمَنْ وَأَيُّ إلَّا عَلَى مَعْنَى الْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ كُلٍّ فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى الْكُلِّيَّةِ وَمَعْنَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِي فَلِذَا وَقَعَ خِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي قَوْلِهِ لِنِسَائِهِ: كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَقَوْلُهُ لِنِسَاءٍ أَجْنَبِيَّاتٍ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْت فَاَلَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي هَلْ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَرًا لِمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ أَوْ لَا تَتَعَدَّدُ نَظَرًا لِمَعْنَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِي.

قَالَ الْبُنَانِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ خَلِيلٌ مِنْ عَدَمِ التَّعَدُّدِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعَدُّدِ فِي: كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ.

قَالَ الْبَاجِيَّ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ نَعَمْ قَدْ قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِثْلُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْأُخْرَى فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَحْكِيَ الْخِلَافَ فِي الْفَرْعَيْنِ مَعًا أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى التَّعَدُّدِ فِيهِمَا أَوْ عَدَمِهِ وَإِلَّا فَكَلَامُهُ مُشْكِلٌ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ اهـ.

وَقَالَ عبق وَمَا نَقَلَهُ عج عَنْ ق حَيْثُ قَالَ: لَا تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا وَلِذَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِتَزَوُّجِ وَاحِدَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُفِيدُهُ ق اهـ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْجَلَّابِ وَأَبِي الْحَسَنِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت فَاَلَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا كَفَّارَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ اهـ وَقَدْ.

قَالَ عبق إذَا قَالَ لِنِسَاءٍ أَجْنَبِيَّاتٍ: إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>