للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ بَالَ وَلَامَسَ وَأَمْذَى فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ اسْتَقَلَّ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ وَكَإِجْبَارِ الْأَبِ لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ مُعَلَّلٌ بِالصِّغَرِ وَالْبَكَارَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْإِجْبَارُ وَإِنْ انْفَرَدَ الصِّغَرُ وَحْدَهُ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ وَأُجْبِرَتْ الصَّغِيرَةُ الثَّيِّبُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَتُجْبَرُ الْبِكْرُ الْكَبِيرَةُ الْمُعَنَّسَةِ عَلَى الْخِلَافِ.

وَإِنْ وَجَدْنَا صَاحِبَ الشَّرْعِ لَا يُرَتِّبُ الْحُكْمَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قُلْنَا: هِيَ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَبِهَذَا يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهُوَ ضَابِطُهُمَا وَتَحْرِيرُهُمَا.

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ جُزْءِ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ وَلَا عَدَمُهُ فَتَلْتَبِسُ قَاعِدَةُ جُزْءِ الْعِلَّةِ بِقَاعِدَةِ الشَّرْطِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّرْطَ مُنَاسَبَتُهُ فِي غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَجُزْءُ الْعِلَّةِ مُنَاسَبَتُهُ فِي نَفْسِهِ كَجُزْءِ النِّصَابِ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُزْءِ الْغِنَى فِي ذَاتِهِ وَكَأَحَدِ أَوْصَافِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُنَاسَبَةِ الْعُقُوبَةِ فِي ذَاتِهِ فَبِهَذَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جُزْءُ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطٍ.

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالْمَانِعِ) أَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَعَدَمُهُ يُوجِبُ الْعَدَمَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي هُوَ فِيهَا شَرْطٌ وَأَمَّا الْمَانِعُ فَهُوَ قَدْرٌ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْحُكْمَ وَانْتِهَاءَهُ كَالرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً النِّكَاحَ وَيَقْطَعُ اسْتِمْرَارَهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْمَهْدِ وَتَرْضِعَ مِنْ أُمِّهِ فَتَصِيرُ أُخْتُهُ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمُ الثَّانِي يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْحُكْمَ دُونَ اسْتِمْرَارِهِ كَالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْعَقْدَ عَلَى الْمُسْتَبْرَأَةِ فَإِنْ طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ بِأَنْ تُكْرَهَ عَلَى الزِّنَى يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الزَّوْجِ خَشْيَةَ اخْتِلَاطِ نَسَبِهِ بِالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الزِّنَى وَلِأَنَّهُ يُلَاعِنُ حِينَئِذٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَى وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُلَاعَنَةُ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ فَهَذَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءً النِّكَاحَ فَقَطْ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ فَيَمْتَنِعُ فِيهِمَا أَوْ بِالثَّانِي فَلَا يَمْتَنِعُ التَّمَادِي بِخِلَافِ الْمُبَادِي وَلَهُ صُوَرٌ: الصُّورَةُ الْأُولَى وُجِدَ أَنَّ الْمَاءَ يَمْنَعُ مِنْ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ.

فَإِنْ طَرَأَ الْمَاءُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يُبْطِلُهَا أَمْ لَا فِيهِ؟ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الطَّوْلُ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ طَرَأَ الطَّوْلُ بَعْدَ النِّكَاحِ لِلْأَمَةِ فَهَلْ يُبْطِلُهُ أَمْ لَا؟ خِلَافٌ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ يَمْنَعُ مِنْهُ الْإِحْرَامُ ابْتِدَاءً فَإِنْ تَقَدَّمَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فِي زَمَنِ الْحِلِّ ثُمَّ طَرَأَ الْإِحْرَامُ الْمَانِعُ فَهَلْ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِمْرَارِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ؟ خِلَافٌ فَقِيلَ: يَجِبُ إرْسَالُهُ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً لَزِمَتْهُ وَلَا يُقِرُّ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ فَإِنْ كَفَّرَ ثُمَّ تَزَوَّجَ الْبَوَاقِيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حِنْثَ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ: إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ الْجَمِيعُ إلَّا وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ جَمِيعُهُنَّ.

قَالَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِوَاحِدَةٍ عَلَى قَاعِدَةِ التَّحْنِيثِ بِالْبَعْضِ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَلَعَلَّ وَجْهَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَقَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْعِتْقِ وَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْتُمَا فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا اهـ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَجْنَبِيَّاتٌ وَفِي الثَّانِيَةِ نِسَاؤُهُ وَلَيْسَ قَوْلُهُ إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ مَنْ تَزَوَّجْتُهَا مِنْكُنَّ بَلْ يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ لِكُلٍّ مَنْ تَزَوَّجَهَا مِنْهُنَّ كَفَّارَةٌ لِإِيهَامِ يَمِينِهِ وَخِطَابِ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَدْ أَوْقَعَ الظِّهَارَ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ فَأَجْزَأَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَحَذْفٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَأَصْلُ مَذْهَبِنَا إلْحَاقُ الظِّهَارِ بِالْيَمِينِ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ أَصْلَهُ إلْحَاقُهُ بِالطَّلَاقِ فَفِي الرَّهُونِيِّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ مَا نَصُّهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُنَّ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ الشَّيْخِ فَهُوَ عَلَى طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةٍ، الطَّلَاقُ طَرَفٌ وَالْيَمِينُ طَرَفٌ وَالظِّهَارُ وَهُوَ الْوَاسِطَةُ فِيهِ شَائِبَةٌ لِشَبَهِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الظِّهَارِ وَشَائِبَةٌ لِشَبَهِ الطَّلَاقِ وَهُوَ تَعَدُّدُ الْمُظَاهَرِ مِنْهُمَا ابْنُ يُونُسَ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٣] الْآيَةَ فَجَمِيعُ النِّسَاءِ إذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ الرَّجُلُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ يُكَفَّرُ كَالْإِيلَاءِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك» فَدَلَّ أَنَّهُ يَمِينٌ كَالْإِيلَاءِ الشَّيْخُ؛ وَلِأَنَّ الْمُرَاعَى قَوْلُ الْقَائِلِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ اهـ.

وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَالْفِقْهِ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّكْرَارِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْمُوجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي فَرْقِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِخْبَارِ لَكِنْ لَمَّا اشْتَهَرَ لَفْظُ الظِّهَارِ فِي مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ لُوحِظَتْ الْكَفَّارَةُ فِي مَقْصِدِ الْمُظَاهِرِ كَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ تَكْرَارَهَا فِي كَلِمَةِ كُلَّمَا وَأَيِّ فَإِنَّهُمَا لِلْحُكْمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَأَشَارَ بِمَنْ فِيمَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ إلَى التَّبْعِيضِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>