للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِوَاجِبَةِ النُّفُوذِ وَأَنَّهُ تَعَالَى فِي جِهَةٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَزِّهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ اعْتِقَادَاتِ أَرْبَابِ الْأَهْوَاءِ فَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ فِيهِمْ قَوْلَانِ بِالتَّكْفِيرِ وَعَدَمِهِ.

وَفِي التَّكْفِيرِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ قَالَ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ كُفْرًا وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ كُفْرٌ وَقَالَ: الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مَنْ كَفَّرَ جُمْلَةَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ تَكْفِيرَهُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ إبْطَالُ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُمْ أَصْلُهَا وَعَنْهُمْ أُخِذَتْ وَقَالَ: الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ إرَادَةُ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَبِنَاءُ كَنِيسَةٍ يَكْفُرُ فِيهَا بِاَللَّهِ كُفْرٌ لِأَنَّهُ إرَادَةُ الْكُفْرِ وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا بِقَصْدِ إمَاتَةِ شَرِيعَتِهِ مَعَ تَصْدِيقِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَعَلَّ غَيْرَ الْقَاضِي وَالْأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَمِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِيمَا عَلِمْت قَضِيَّةُ إبْلِيسَ وَأَنَّهُ كَفَرَ بِهَا وَلَيْسَ الْكُفْرُ بِسَبَبِ تَرْكِ السُّجُودِ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَإِلَّا كَانَ يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ عَاصٍ كَافِرٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا كُفْرُ إبْلِيسَ بِنِسْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْجَوْرِ وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالسُّجُودِ لِمَنْ هُوَ أَوْلَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَدْلًا لِقَوْلِهِ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: ١٢] فَهَذَا مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى التَّجْوِيرِ وَالتَّسْفِيهِ وَمَنْ نَسَبَ اللَّهَ تَعَالَى إلَى ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ فَهَذِهِ الْجَرَاءَةُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى هِيَ سَبَبُ كُفْرِهِ وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا كَفَرَ بِسَبَبِ الْكِبْرِ عَلَى آدَمَ لِقَوْلِهِ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مُتَكَبِّرٍ كَافِرٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ نَعَمْ أَنَّ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ أَنْ يَكُونَ مُطِيعًا لَهُ فِي أَوَامِرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَبِالْجُمْلَةِ فَعَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَسْتَقْرِئَ كُتُبَ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُكْفَرُ بِهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ نَظَرَ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْفُقَهَاءِ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَلَعَلَّ غَيْرَ الْقَاضِي وَالْأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) قُلْتُ: ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ.

قَالَ: (وَمِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِيمَا عَلِمْتُهُ قَضِيَّةُ إبْلِيسَ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ أَنْ يَكُونَ مُطِيعًا لَهُ فِي أَوَامِرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: مِنْ أَنَّ كُفْرَ إبْلِيسَ إنَّمَا هُوَ بِنِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ الْجَوْرَ وَتَكَبُّرِهِ عَلَيْهِ لَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاعْتِقَادِهِ كَوْنِهِ خَيْرًا مِنْهُ هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الشَّرْعِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ.

قَالَ: (وَبِالْجُمْلَةِ فَعَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَسْتَقْرِئَ كُتُبَ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُكْفَرُ بِهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ لِمَا بَلَغَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ بَقِيَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ وَيَكُونُ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْهُ رُتَبٌ مِنْ الْكُفْرِ وَإِنْ أَرَادَ كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَيْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ قَوْلٌ إلَّا حَفِظَهُ وَلَا مِنْ جُمْلَةِ وُجُوهِ التَّكْفِيرِ شَيْءٌ إلَّا تَضَمَّنَتْهُ أَقْوَالُ مَنْ حَفِظَ أَقْوَالَهُمْ فَمِنْ أَيْنَ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَمَا الدَّلِيلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ.

قَالَ: (فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ نَظَرَ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْفُقَهَاء لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ) .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

التَّرْتِيبُ الْمُسْتَفَادُ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ تَرْتِيبَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهَا تَرْتِيبًا يَقْبَلُ الِاخْتِلَافَ وَالتَّبَدُّلَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَتَبَدُّلِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ فَإِذَا قُلْت: قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو كَانَ قِيَامُ زَيْدٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى قِيَامِ عَمْرٍو أَوْ ثُمَّ عَمْرٌو فَكَذَلِكَ مَعَ تَرَاخٍ أَوْ قَامَ الْقَوْمُ حَتَّى عَمْرٍو اقْتَضَى أَيْضًا تَأَخُّرَ قِيَامِ عَمْرٍو بِسَبَبِ أَنَّ حَتَّى حَرْفُ غَايَةٍ بِمَعْنَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا غَايَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ ثُمَّ يَصِلُ إلَيْهَا مَثَلًا السَّيْرُ فِي قَوْلِك سِرْت حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْفَجْرِ مُتَكَرِّرٌ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِذَا كَانَ قِيَامُ عَمْرٍو غَايَةً وَغَايَةُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ وَآخِرُهُ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْأَوَّلِ ضَرُورَةً وَإِذَا قُلْت: سَيَقُومُ زَيْدٌ وَسَوْفَ يَقُومُ عَمْرٌو كَانَ قِيَامُ زَيْدٍ قَبْلَ قِيَامِ عَمْرٍو لِأَنَّ سَوْفَ أَكْثَرُ تَنْفِيسًا مِنْ السِّينِ وَإِذَا قُلْت: لَمْ أَوْ لَمَّا يَقُمْ زَيْدٌ وَلَا يَقُومُ عَمْرٌو أَوْ لَنْ يَقُومَ كَانَ عَدَمُ قِيَامِ زَيْدٍ فِي الْمَاضِي وَعَدَمُ قِيَامِ عَمْرٍو فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِسَبَبِ أَنَّ لَمْ وَلَمَّا مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْمَاضِي وَلَا وَلَنْ مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا وَلَيْسَ مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْحَالِ وَالْمَاضِي وَالْحَالُ وَالْمُسْتَقْبَلُ مُتَرَتِّبَةٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وُقُوعِ الْعَدَمِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا دَالًّا عَلَى التَّرْتِيبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ يَتَّضِحُ بِهَا هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ

: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَا خِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي لُزُومِ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ مَعَ النَّسَقِ بِالْوَاوِ أَيْضًا وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي لُزُومِ الْوَاحِدَةِ أَوْ التَّعَدُّدِ مَعَ الْوَاوِ كَمَا أَنَّهُ قَالَ: بِلُزُومِ الثَّلَاثِ إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا عَطْفٍ أَصْلًا وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ قَائِلًا: لَا يَلْزَمُهُ إذًا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ بِسَبَبِ أَنَّ الزَّمَانَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَتَبِينُ بِالْأُولَى وَلَا يَلْزَمُ بِمَا بَعْدَهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا لِأَجْلِ الْبَيْنُونَةِ سَوَاءً كَانَ مَا بَعْدَهَا بِلَا عَطْفٍ أَوْ مَعْطُوفًا بِالْفَاءِ أَوْ ثُمَّ أَوْ الْوَاوِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ فِي الْوَاوِ أَصْلًا بَلْ نَجْزِمُ بِتَقَدُّمِ مَا نَطَقَ بِهِ أَوَّلًا وَلُزُومِ الْبَيْنُونَةِ بِهِ وَإِلْغَاءِ مَا بَعْدُ مُطْلَقًا وَتَوْجِيهُ الْأَصْحَابِ قَوْلُ إمَامِنَا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَ بِالْأُولَى ثَلَاثًا ثُمَّ فَسَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ الثَّلَاثَ تُعْتَبَرُ بِاتِّفَاقٍ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>