للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ اعْتَقَدَ حِينَئِذٍ أَنَّ تِلْكَ الرُّتْبَةَ أَدْنَى رُتْبَةِ التَّكْفِيرِ وَأَنَّ مَا دُونَهَا أَعْلَى رُتْبَةً لِلْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَقْرَأَ رُتَبَ الْكَبَائِرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ نَظَرَ إلَى أَقَلِّهَا مَفْسَدَةً جَعَلَهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَاَلَّتِي دُونَهَا هِيَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَأُكْمِلُ الْبَحْثَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ بِذِكْرِ مَسْأَلَتَيْنِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ كُفْرٌ وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَذَلُّلًا أَوْ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَالْفَرْقُ عَسِيرٌ فَإِنْ قُلْت السُّجُودُ لِلْوَالِدِ وَالْعَالَمِ يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا قُلْت: وَكَذَلِكَ السُّجُودُ لِلصَّنَمِ فَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣] فَقَدْ صَرَّحُوا بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ السُّجُودِ فَإِنْ قُلْت اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِتَعْظِيمِ الْآبَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَعْظِيمِ الْأَصْنَامِ بَلْ نَهَى عَنْهُ فَلِذَلِكَ كَانَ كُفْرًا قُلْت إنْ كَانَ السُّجُودَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَفْسَدَةِ اسْتَحَالَ فِي عَادَةِ اللَّهِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا هُوَ كُفْرٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] أَيْ لَا يَشْرَعُهُ دِينًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى فَسَادِ الْكُفْرِ لَا يُؤْذَنُ فِيهِ وَلَا يُشْرَعُ فَلَا يُقَالُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْآبَاءِ وَالْعُلَمَاءِ دُونَ الْأَصْنَامِ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قُلْتُ: إنْ أَرَادَ بِالْفُقَهَاءِ مَنْ حَصَّلَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَكُلُّهُمْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ وَفِي غَيْرِهَا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا تَصِحُّ لَهُ رُتْبَةٌ حَتَّى يُحَصِّلَ جَمِيعَ الْعُلُومِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الِاجْتِهَادِ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنْ أَرَادَ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ مِمَّنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْفَقِيهِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ أَوْ الْمَجَازِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِمْ.

قَالَ: (فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ اعْتَقَدَ حِينَئِذٍ أَنَّ تِلْكَ الرُّتْبَةَ أَدْنَى رُتَبِ التَّكْفِيرِ وَأَنَّ مَا دُونَهَا أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ وَاَلَّتِي دُونَهَا هِيَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ) قُلْتُ: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ إحَالَةٌ عَلَى مُسْتَحِيلٍ عَادَةً وَهُوَ كَمَالُ اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: لَا بُدَّ لِلْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَشَارَ إلَى اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ بِفَارِقٍ يَفْرُقُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ فَمَا الْمَانِعُ لِهَذَا الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِهِمْ وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَأْتِ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْإِبَاحَةُ عَلَى جَهَالَةٍ.

قَالَ: (وَأُكْمِلُ الْبَحْثَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ بِذِكْرِ مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ لَهُ وَالتَّعْظِيمِ كُفْرٌ وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَذَلُّلًا أَوْ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَالْفَرْقُ عَسِيرٌ) قُلْتُ: أَغْفَلَ الْوَصْفَ الْمُفَرِّقَ فَعَسُرَ عَلَيْهِ الْفَرْقُ وَالْوَصْفُ الْمُفَرِّقُ أَنَّ سُجُودَ مَنْ سَجَدَ لِلْأَصْنَامِ لَمْ يَسْجُدْ لَهَا لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ بَلْ لِذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهَا آلِهَةٌ وَأَنَّهَا شُرَكَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ الْوَالِدِ أَوْ الْعَالِمِ أَوْ الْوَلِيِّ لَكَانَ ذَلِكَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مَعَ الْوَالِدِ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَا لِاعْتِقَادِ أَنَّهُ إلَهٌ وَشَرِيكٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ.

قَالَ: (فَإِنْ قُلْتُ: السُّجُودُ لِلْوَالِدِ وَالْعَالِمِ إلَى قَوْلِهِ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الثَّلَاثُ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا شَيْءٌ مَدْفُوعٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَقَوْلُهُمْ نَوَى ثُمَّ فَسَّرَ لَا يَسْتَقِيمُ بَلْ إنْ نَوَى انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ عَلَى لُزُومِ مَا نَوَاهُ مِنْ تَأْسِيسٍ أَوْ تَأْكِيدٍ أَمَّا الثَّانِي فَقِيَاسٌ بَاطِلٌ بِسَبَبِ فَرْقٍ عَظِيمٍ مَأْخُوذٍ مِنْ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ لُغَوِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ كَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ وَظَرْفِ الزَّمَانِ وَظَرْفِ الْمَكَانِ وَالْمَجْرُورِ وَالْمَفْعُولِ مَعَهُ وَالْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ وَالْحَالِ وَالْبَدَلِ وَالتَّمْيِيزِ إذَا لَحِقَ لَفْظًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَارَ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلدَّارِ طَلَاقٌ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا.

وَإِنْ كَانَ كَلَامًا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُهُ حَتَّى يُعْطِيَنِي حَقِّي وَهُوَ لَفْظٌ لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ فَلَمَّا لَحِقَ مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْكَلَامِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَقَطْ وَمَا عَدَاهَا لَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ أَلْبَتَّةَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَإِذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثَمَانِيَةٌ مَعَ أَنَّ الْأَقَارِيرَ عِنْدَ الْحُكَّامِ فِي غَايَةِ الضِّيقِ وَالْحَرَجِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا النِّيَّاتُ وَلَا الْمَجَازَاتُ وَمَا سَبَبُ عَدَمِ لُزُومِ غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَحِقَهُ مَا لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا اثْنَيْنِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ إقْرَارًا بِالثَّمَانِيَةِ فَقَطْ وَلِغَايَةِ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ وَإِذَا قَالَ: لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا عَامٌّ فِي ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا نَطَقَ بِقَوْلِهِ كَتَّانًا بَعْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ اخْتَصَّ الْحِنْثُ بِثِيَابِ الْكَتَّانِ وَحْدَهَا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَحِقَهُ كَتَّانًا وَهُوَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ لَا يُفِيدُ إلَّا ثِيَابَ الْكَتَّانِ وَغَيْرَ ثِيَابِ الْكَتَّانِ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا.

وَإِذَا قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ طُلُوعَ الْفَجْرِ امْتَنَعَ قَتْلُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ وَإِنْ كَانُوا قَبْلَ التَّقْيِيدِ بِهِ يُقْتَلُونَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ أَمَامَ زَيْدٍ اخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِتِلْكَ الْجِهَةِ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>