للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ كَيْفَ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ لَا يَعْرِفُ الْمُنْكَرَ كَيْفَ يَنْهَى عَنْهُ قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُخَالَفَتَهُمَا فِي الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا تَجُوزُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّذِي رَدَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبَوَيْهِ عَنْ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ لِأَنَّ الْحَاضِرَ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهَذِهِ الْفَتْوَى تَقْتَضِي أَنَّهُ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُمَا فِي فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَبَيْنَهُمَا تُعَارَضُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ: الْعِلْمُ وَضَبْطُ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَهُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ وَهِيَ مَنْ جَادَ حِفْظُهُمْ وَرَقَّ فَهْمُهُمْ وَحَسُنَتْ سِيرَتُهُمْ وَطَابَتْ سَرِيرَتُهُمْ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ عَدِيمَ الْحِفْظِ أَوْ قَلِيلَهُ أَوْ سَيِّئَ الْفَهْمِ لَا يَصْلُحُ لِضَبْطِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ سَاءَتْ سِيرَتُهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْوُثُوقُ لِلْعَامَّةِ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ مَصْلَحَةُ التَّقْلِيدِ فَتَضِيعُ أَحْوَالُ النَّاسِ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مُتَعَيِّنَةً بِهَذِهِ الصِّفَاتِ تَعَيَّنَتْ بِصِفَاتِهَا وَصَارَ طَلَبُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا فَرْضَ عَيْنٍ فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ سَحْنُونٍ وَأَبِي الْوَلِيدِ وَالْجِهَادُ يَصْلُحُ لَهُ عُمُومُ النَّاسِ فَأَمْرُهُ سَهْلٌ وَلَيْسَ الرَّمْيُ بِالْحَجَرِ وَالضَّرْبُ بِالسَّيْفِ كَضَبْطِ الْعُلُومِ فَكُلُّ بَلِيدٍ أَوْ ذَكِيٍّ يَصْلُحُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَصْلُحُ لِلثَّانِي إلَّا مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ.

(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: إنْ أَرَادَ سَفَرًا لِلتِّجَارَةِ يَرْجُو بِهِ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِنْ رَجَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي كَفَافٍ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ ذَلِكَ تَكَاثُرًا فَهَذَا لَوْ أَذِنَا لَهُ لَنَهَيْنَاهُ لِأَنَّهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ دَفْعَ حَاجَاتِ نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ تَأَذَّى بِتَرْكِهِ كَانَ لَهُ مُخَالَفَتُهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَكَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ إذَايَتِهِمَا نَمْنَعُهُمَا مِنْ إَذايَتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ إنْ لَمْ يَأْكُلْهُ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَاهُ هَلَكَا قُدِّمَتْ ضَرُورَتُهُ عَلَيْهِمَا قَالَ: فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَلَيْسَ لِأَبَوَيْهِ مَنْعُهُ قَالَ: قُلْت هَذَا فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ كَانَ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ كَافِلِهِ فَإِذَا بَلَغَ ذَهَبَ حَجَرُ الْحَضَانَةِ وَتَجَدَّدَ حَجْرُ الْبِرِّ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي دَعَاهُ أَبُوهُ مِنْ السُّودَانِ وَمَنَعَتْهُ أُمُّهُ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ مِنْ الْخُرُوجِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأُمِّ وَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَاك وَلَا تَعْصِ أُمَّك فَهُوَ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَمْشِي فِي الْبَلَدِ حَيْثُ شَاءَ دُونَ السَّفَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رِيبَةٍ وَهُمَا يَتَأَذَّيَانِ بِهِ فَيَمْنَعَانِهِ مُطْلَقًا.

(سُؤَالٌ) قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] وَالنِّكَاحُ مُبَاحٌ وَقَدْ نُهِيَ الْأَبُ عَنْ مَنْعِ ابْنَتِهِ فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي تَرْكِ الْمُبَاحِ وَلَا فِي تَرْكِ الْمَنْدُوبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

(جَوَابُهُ) أَنَّ الْبِنْتَ لَهَا حَقٌّ فِي الْإِعْفَافِ وَالتَّصَوُّنِ وَدَفْعِ ضَرَرِ مُوَاقَعَةِ الشَّهْوَةِ وَسَدِّ ذَرَائِعِ الشَّيْطَانِ عَنْهَا بِالتَّزْوِيجِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَقًّا لَهَا وَأَدَاءُ الْحُقُوقِ وَاجِبٌ عَلَى الْأَبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ لِلْأَبْنَاءِ جَوَازُ إذَايَةُ الْآبَاءِ بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنَعَ مِنْ تَحْلِيفِ الْأَبِ فِي حَقٍّ لَهُ وَقَالَ: إنْ حَلَّفَهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ: أَبُو الْوَلِيدِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ فَإِنَّهُ أَبُو بَكْرٍ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

إنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ كُفْرٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ يَقُولُ بِتَفَاوُتِ مَا قَالَ بِهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ وَقِيلَ: تُكْرَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَتَحْرُمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا وَقِيلَ: وَهُوَ الرَّاجِحُ تُكْرَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ وَتَحْرُمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ إذْ الْمُرَاغَمَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ دُونَ مَا إذَا كَانَ لِعَارِضٍ لِأَنَّ الْعَارِضَ إنَّمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ مَنْعُ الِاسْتِعْمَالِ فَقَطْ وَلَا يَمْنَعُ التَّسْمِيَةَ إذْ الْمَحَلُّ فِي ذَاتِهِ قَابِلٌ لَهَا فَلَا مُرَاغَمَةَ كَذَا فِي حَوَاشِي الْبَهْجَةِ نَقْلًا عَنْ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ وَأَخَذَ مِنْ هَذَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَشْيَاخِنَا أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ الْإِبَاحَةُ لِمَا نُهِيَ عَنْهُ لِذَاتِهِ كَأَنْ اضْطَرَّ لِأَكْلِ الْمَيِّتَةِ أَوْ شُرْبِ جَرْعَةِ خَمْرٍ لِإِسَاغَةِ مَا غَصَّ بِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُرِيدُ الْأَدَمَ سِوَى الْبَصَلِ النِّيءِ تَبْقَى التَّسْمِيَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ إذْ الْمَحَلُّ فِي ذَاتِهِ غَيْرُ قَابِلٍ لَهَا وَالضَّرُورَةُ لَا دَخْلَ لَهَا فِي التَّسْمِيَةِ فَتَدَبَّرْ اهـ وَقَالَ: الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ مَجْمُوعِهِ وَحَاشِيَتِهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَظْهَرَ تَحْرِيمُهَا فِي الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا لِمَا وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ يَذْكُرُ عَبْدَهُ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُ وَحَالُ التَّحْرِيمِ يُمَاثِلُهُ مِنْهُ الْعِقَابُ جَزَاءً وِفَاقًا وَذَلِكَ أَنَّ حَالَ التَّحْرِيمِ إعْرَاضٌ عَنْ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَمُلَابَسَةٌ لِمَا يَكْرَهُهُ وَالْعِقَابُ إبْعَادٌ لِلْعَبْدِ وَإِيصَالُ مَا يَكْرَهُهُ إلَيْهِ.

وَقَدْ رُوِيَ «يَا دَاوُد قُلْ لِلظَّالِمَيْنِ لَا يَذْكُرُونِي فَإِنَّهُمْ إنْ ذَكَرُونِي ذَكَرْتُهُمْ وَإِذَا ذَكَرْتُهُمْ مَقَتُّهُمْ» نَعَمْ الْقَوْلُ بِكَرَاهَتِهَا فِيهِ وَجِيهٌ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ لَا الْعَكْسُ يَعْنِي الْغَالِبُ قُوَّةُ نَامُوسِ حَسَنَةٍ عَلَى السَّيِّئَةِ بِدَلِيلِ كَثْرَةِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ الطَّاعَاتِ لِلذُّنُوبِ.

وَلِذَا كَانَتْ الْحَسَنَةُ بِعَشْرٍ وَالسَّيِّئَةُ بِوَاحِدَةٍ وَنَاهِيكَ بِحَدِيثِ بِطَاقَةِ التَّوْحِيدِ حَيْثُ تَرْجَحُ فِي الْمِيزَانِ عَلَى سِجِلَّاتٍ كَثِيرَةٍ وَالْبَسْمَلَةُ حَسَنَةٌ لِأَنَّهَا فِي ذَاتِهَا ذِكْرٌ فَلَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهَا نَامُوسُ السَّيِّئَةِ حَتَّى تَنْحَطَّ لِرُتْبَةِ التَّحْرِيمِ قُصَارَى الْأَمْرِ الْكَرَاهَةُ لِلْمُجَاوَرَةِ وَقَدْ رَجَّحَ الْكَرَاهَةَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ الْكَرْشِيِّ فِي مَبْحَثِ تَسْمِيَةِ الْوُضُوءِ تَبَعًا لِلشَّبْرَخِيتِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَمْ نَتْبَعْهُ لِقَوْلِ الْخَادِمِيِّ فِي بَسْمَلَتِهِ إنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ عِنْدَ شُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ يَكْفُرْ عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ وَالِاسْتِعَانَةَ بِذِكْرِهِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا أَذِنَهُ وَرَضَاهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ صَيْدِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَرَأَيْت بِخَطِّ ثِقَةٍ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا بِتَسْمِيَةٍ فَوَجَدَ صَاحِبَهَا هَلْ تُؤْكَلُ؟ الْأَصَحُّ لَا لِكُفْرِهِ بِتَسْمِيَةٍ عَلَى الْحَرَامِ الْقَطْعِيِّ بِلَا تَمَلُّكٍ وَلَا إذْنٍ اهـ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُنَا الْأَكْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>