للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ جُرْحَةً فِي حَقِّ الْوَلَدِ فَالْآيَةُ مَا دَلَّتْ إلَّا عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْآبَاءِ لَا عَلَى إبَاحَةِ إذَايَتِهِمْ بِالْمُخَالَفَةِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) فِي بَيَانِ الْوَاجِبِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ قَالَ الشَّيْخُ الطُّرْطُوشِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا تَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ وَهُمَا كُلُّ شَخْصَيْنِ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَتَنَاكَحَا كَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفُلُوا وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَأَمَّا أَوْلَادُ هَؤُلَاءِ فَلَيْسَتْ الصِّلَةُ بَيْنَهُمْ وَاجِبَةً لِجَوَازِ الْمُنَاكَحَةِ بَيْنَهُمْ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ وَبِرُّهُمَا وَتَرْكُ إذَايَتِهِمَا وَاجِبَةٌ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتَيْ الْعَمِّ وَبِنْتَيْ الْخَالِ وَإِنْ كُنَّ يَتَغَايَرْنَ وَيَتَقَاطَعْنَ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً، وَقَدْ لَاحَظَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّرَاجُعِ فَقَالَ: يَحْرُمُ التَّرَاجُعُ فِي الْهِبَةِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ.

(سُؤَالٌ) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَرَّهُ السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ وَالنَّسَاءُ فِي الْأَجَلِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» مَعَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَقَدْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ الْمُمْكِنَاتِ مَا وُجِدَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَزَلِ فَتَعَلَّقَتْ إرَادَتُهُ الْقَدِيمَةُ الْأَزَلِيَّةُ بِوُجُودِ كُلِّ مُمْكِنٍ أَرَادَ وُجُودَهُ وَبِعَدَمِ كُلِّ مُمْكِنٍ أَرَادَ بَقَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ أَوْ أَرَادَ عَدَمَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ فَجَمِيعُ الْجَائِزَاتِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا قَدْ نَفَذَتْ فِيهَا مَشِيئَتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَكَيْفَ بَقِيَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَيْسِيرِ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ.

(جَوَابُهُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: إنَّمَا ذَلِكَ بِزِيَادَةِ الْبَرَكَةِ فِيمَا قُدِّرَ فِي الْأَزَلِ مِنْ الرِّزْقِ وَالْأَجَلِ.

وَأَمَّا نَفْسُ الْأَجَلِ وَالرِّزْقِ الْمُقَدَّرَيْنِ فَلَا يَقْبَلَانِ الزِّيَادَةَ قُلْت: وَهَذَا الْجَوَابُ عِنْدِي ضَعِيفٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْبَرَكَةَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَدَّرَاتِ فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ مَانِعًا مِنْ الزِّيَادَةِ فَلْيَمْنَعْ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ كَمَا مَنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِمَا بَلْ هَذَا الْجَوَابُ يَلْزَمُ مِنْهُ مَفْسَدَتَانِ: أَحَدُهُمَا إيهَامُ أَنَّ الْبَرَكَةَ خَرَجَتْ عَنْ الْقَدَرِ فَإِنَّ الْمُجِيبَ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقَدَرِ مَانِعٌ فَحَيْثُ لَا مَانِعَ لَا قَدَرَ وَهَذَا رَدِيءٌ جِدًّا وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ يُقِلُّ الرَّغْبَةَ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ بِالنِّسْبَةِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا لِزَيْدٍ إنْ وَصَلْت رَحِمَك زَادَك اللَّهُ تَعَالَى فِي عُمُرِك عِشْرِينَ سَنَةً فَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْ الْوَقْعِ لِذَلِكَ مَا لَا يَجِدُهُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ لَا يَزِيدُك اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ يَوْمًا وَاحِدًا بَلْ يُبَارَكُ لَك فِي عُمُرِك فَقَطْ فَيَخْتَلُّ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ فِي بَيَانِ الْوَاجِبِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ وَغَيْرِهَا صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَتَّضِحُ لَك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْغَيْبِ لَذَهَبَتْ عَنْهُ جَهَالَاتٌ كَثِيرَةٌ فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُسْتَنْكَرٌ مُسْتَقْبَحٌ يَجِبُ تَجَنُّبُ مِثْلِهِ وَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ فِي جَانِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي جَانِبِ سَائِرِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَمَنْعَ عِلَّةِ التَّكْفِيرِ إذْ لَمْ يَتَهَاوَنْ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ فَإِنَّهُ الْمُعِينُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ وَالتَّبَرُّكَ بِهِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا فِيهِ إذْنُهُ وَرَضَاهُ فَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَقْصِدْهُ وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لِمَا فَعَلَهُ وَلَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ اللُّزُومُ بَيِّنًا كَمَا هُنَا خُصُوصًا فِي مِثْلِ كُفْرِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَقْضِيَ تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ وَجِيهًا نَعَمْ رُبَّمَا خَفَّ الْأَمْرُ فِي الْحَرَامِ الْعَارِضِ كَالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ اهـ

قُلْتُ: وَلَا يُعَارِضُ قَاعِدَةَ قُوَّةِ نَامُوسِ الْحَسَنَةِ عَلَى السَّيِّئَةِ حَدِيثُ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» إلَخْ لِقَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْمَنْفِيَّ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ الْمُصَاحِبُ لِلْمُرَاقَبَةِ إذْ لَوْلَا حِجَابُ الْغَفْلَةِ مَا عَصَى أَوْ أَنَّهُ إنْ اسْتَحَلَّهُ وَمَا يُقَالُ إنَّ الْإِيمَانَ يُرْفَعُ ثُمَّ يَرْجِعُ لَهُ يَلْزَمُهُ عَدَمُ إيمَانِهِ إنْ مَاتَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشَرْحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِرَفْعِهِ يُحْمَلُ عَلَى رَفْعِ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ اهـ وَمِمَّا يَشْهَدُ لِكَوْنِ الْمَنْفِيِّ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ مَا حُكِيَ لِي أَنَّ امْرَأَةً جَمِيلَةً ذَاتَ عِفَّةٍ وَدِيَانَةٍ جَاعَتْ وَطَلَبَتْ مِنْ جَارِهَا مَا تَتَقَوَّتُ بِهِ فَأَبَى إلَّا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ وَصَبَرَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى اشْتَدَّ جُوعُهَا فَأَتَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ: قَوِّتْنِي وَافْعَلْ مَا تُرِيدُ فَلَمَّا تَمَكَّنَ مِنْهَا هَمَّ لِغَلْقِ الطَّاقَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَرَاهُ جَارُهُ فَقَالَتْ لَهُ: مَا تُرِيدُ؟ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ لَهُ: يَا مَجْنُونُ تَخْشَى الْجَارَ وَلَا تَخْشَى الْجَبَّارَ الَّذِي لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ وَأَثَّرَ كَلَامُهَا فِي قَلْبِهِ وَتَرَكَ الزِّنَا بِهَا وَأَعْطَاهَا مَطْلُوبَهَا وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الصَّفْتِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ ابْنِ تُرْكِيٍّ عَلَى الْعَشْمَاوِيَّةِ: وَالنَّدْبُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلسُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبُّ هُوَ حُكْمُ الْبَسْمَلَةِ الْأَصْلِيِّ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ عِنْدَ عَدَمِ مُنَافِي التَّعْظِيمِ النَّدْبُ فَتُسَنُّ عَيْنًا كَمَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ عُبَادَةَ.

وَقِيلَ: تُسَنُّ كِفَايَةً فِي الْأَكْلِ وَتُسْتَحَبُّ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُطْلَبُ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي غَالِبِ الْأُمُورِ ذَوَاتِ الْبَالِ وَلَوْ شِعْرًا إذَا كَانَ مُحْتَوِيًا عَلَى عِلْمٍ أَوْ وَعْظٍ لَا إنْ كَانَ شِعْرًا حَرَامًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ كَمَا إذَا قُلْتَ: نَذْرٌ عَلَيَّ أَنْ أُبَسْمِلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَثَلًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوُجُوبُ أَصَالَةً أَبَدًا إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>