للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَثِّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا بَلْ الْحَقُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لَهُ سِتِّينَ سَنَةً مُرَتَّبَةً عَلَى الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ مِنْ الْغِذَاءِ وَالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ وَرَتَّبَ لَهُ عِشْرِينَ سَنَةً أُخْرَى مُرَتَّبَةً عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ.

وَإِذَا جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ حَقِيقَةً كَمَا نَقُولُ الْإِيمَانُ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَالْكُفْرُ يُدْخِلُ النَّارَ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ لَا بِالِاقْتِضَاءِ الْعَقْلِيِّ وَمَتَى عَلِمَ الْمُكَلَّفُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا لِزِيَادَةِ النَّسَاءِ فِي الْعُمْرِ بَادَرَ إلَى ذَلِكَ كَمَا يُبَادِرُ لِاسْتِعْمَالِ الْغِذَاءِ وَتَنَاوُلِ الدَّوَاءِ وَالْإِيمَانِ رَغْبَةً فِي الْجِنَانِ وَيَفِرُّ مِنْ الْكُفْرِ رَهْبَةً مِنْ النِّيرَانِ وَبَقِيَ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ يُخِلُّ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الرِّزْقِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَكَذَلِكَ نَقُولُ الدُّعَاءُ يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ وَيَدْفَعُ الْأَمْرَاضَ وَيُؤَخِّرُ الْآجَالَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا شُرِعَ فِيهِ الدُّعَاءُ فَهُوَ مِنْ الْقَدَرِ وَلَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَدَرِ بَلْ مَا رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَقْدُورًا إلَّا عَلَى سَبَبٍ عَادِيٍّ وَلَوْ شَاءَ لَمَا رَبَطَهُ بِهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْجَوَابُ عَنْ سُؤَالٍ صَعْبٍ وَرَدَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: ١٨٨] فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: هُنَا سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا عَلِمَ الْغَيْبَ وَاَلَّذِي فِي الْغَيْبِ هُوَ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْخَيْرِ فَكَيْفَ يَسْتَكْثِرُ مِنْ الْخَيْرِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ بَلْ لَوْ قَدَرَ الِاطِّلَاعَ عَلَى الْغَيْبِ لَبَقِيَ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَجَعَلَ لِكُلِّ مَقْدُورٍ سَبَبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَرْتَبِطُ بِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الْأَسْبَابُ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا مِنْ الْعُلُومِ وَالْجَهَالَاتِ فَالْجَهْلُ سَبَبٌ عَظِيمٌ فِي الْعَالَمِ لِمَفَاسِدَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفَوَاتِ الْمَصَالِحِ وَالْعِلْمُ سَبَبٌ عَظِيمٌ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحَ وَدَرْءِ مَفَاسِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَالْمَلِكُ الَّذِي دُفِعَ لَهُ السُّمُّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ مِنْهُ كَيْدًا مِنْ أَعْدَائِهِ إنَّمَا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَمُوتَ بِالسُّمِّ مَعَ جَهْلِهِ بِتَنَاوُلِهِ أَمَّا لَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ.

وَكَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا كَانَ قَدْ قَدَّرَ نَجَاتَهُ مِنْهُ قَدَّرَ اطِّلَاعَهُ عَلَيْهِ فَيَسْلَمُ فَيَكُونُ سَبَبُ سَلَامَتِهِ عِلْمُهُ بِهِ فَالْمُقَدَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ الْجَهْلِ نَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ عَلَى تَقْدِيرِهِ الْعِلْمَ بَلْ الْمُقَدَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِلْمِ ضِدُّهُ فَالرِّزْقُ الْحَقِيرُ إنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ جَهْلِهِمْ بِالْكُنُوزِ وَعَمَلِ الْكِيمْيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ أَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَظِيمَةِ الْمُوجِبَةِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سَعَةَ الرِّزْقِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ ضِيقَ الرِّزْقِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا نَقُولُ مَا قَدَّرَ اللَّهُ مِنْ دُخُولِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِيمَانِ أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لَهُمْ الْجَنَّةَ وَمَا قَدَّرَ لِلْكُفَّارِ النَّارَ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ جَهْلِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِمْ بِهِ تَعَالَى فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَدَّرَ لَهُمْ النَّارَ وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَتَّضِحُ لَك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْغَيْبِ لَذَهَبَتْ عَنْهُ جَهَالَاتٌ كَثِيرَةٌ كَثُرَ عِنْدَهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْآنَ وَمَا مَسَّهُ السُّوءُ وَلَقَدْ نَجْزِمُ أَنَّ الْمِحْنَةَ فِي أُحُدٍ وَقَتْلَ حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ إنَّمَا قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَنْهُ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا بِوُجُوبِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْوَاجِبُ فِي الذَّبْحِ بِقَيْدِ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ مُطْلَقُ ذِكْرٍ لَا خُصُوصُ الْبَسْمَلَةِ كَمَا فِي شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ وَكَلَامُنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا بِخُصُوصِهَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ فِي الذَّبْحِ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ وَلَا يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْأَكْلِ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَكَوْنُ الْأَكْلِ فِيهِ تَعْذِيبٌ لِلُّقْمَةِ بِالْمَضْغِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ أَوْ اسْتِعْمَالَهُ بِالْوُضُوءِ فِيهِ حَتْفٌ لَهُ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَنَذْرُهَا فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَا نَصَّ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى لُزُومِهِ كَمَا قَالُوا بِهِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ رَابِعِ النَّحْرِ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ عَدَمُ لُزُومِهِ لِكَرَاهَتِهَا فِيهَا وَالنَّذْرُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ نَعَمْ اسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ أَنَّهَا تَلْزَمُ لِأَنَّهَا عُهِدَ لَهَا طَلَبٌ فِي الْجُمْلَةِ فِيمَا إذَا قَصَدَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَرَاهَةُ فِي الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ كَعِنْدَ شُرْبِ الدُّخَانِ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ عَلَى الْأَظْهَرِ وَكَالْإِتْيَانِ بِهَا فِي الْوَطْءِ الْمَكْرُوهِ كَأَنْ يَطَأَ الْجُنُبُ ثَانِيًا قَبْلَ غَسْلِ فَرْجِهِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَيُكْرَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا أَيْضًا فِي الْأَذَانِ وَالذِّكْرِ.

وَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا شَرَفٌ عَظِيمٌ شَرْعًا وَعُرْفًا لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الذِّكْرِ أَوْ هِيَ نَفْسُهَا ذِكْرٌ فَلَا تَحْتَاجُ لِذِكْرٍ آخَرَ فَتَأَمَّلْ وَلَمْ أَرَ نَصًّا فِي الْمَذْهَبِ عَلَى حُكْمِ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ وَفِي أَثْنَائِهَا إلَّا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا أَخْبَرَنِي بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ مِنْ أَشْيَاخِي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ كَرَاهَتِهَا فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ وَاسْتِحْبَابِهَا فِي أَثْنَائِهَا خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ تَحْرُمُ فِي أَوَّلِهَا وَتُكْرَهُ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ وَتَعْرِضُ لَهَا الْحُرْمَةُ فِي تِلَاوَتِهَا لِلْجُنُبِ عَلَى أَنَّهَا الَّتِي فِي سُورَةِ النَّمْلِ لَا عَلَى أَنَّهُ ذِكْرٌ بِقَصْدِ التَّحَصُّنِ وَفِي ابْتِدَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْإِبَاحَةُ عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ النَّدْبُ نَعَمْ قَالَ الْخَادِمِيُّ: إنَّهَا مُبَاحَةٌ فِي أَوَّلِ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُطْلَبُ فِي ذِي الْبَالِ دُونَ هَذَا انْتَهَى لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ ذِي الْبَالِ إنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّبَرُّكَ أَوْ التَّحَصُّنَ فَيَرْجِعُ لِلذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّهَاوُنَ فَهُوَ كُفْرٌ وَقَوْلُهُمْ تُطْلَبُ فِي ذِي الْبَالِ أَيْ تَتَأَكَّدُ فِيهِ وَأَمَّا الطَّلَبُ الْكُلِّيُّ الَّذِي أَتَى لَهَا مِنْ حَيْثُ الذِّكْرُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْ فِي غَيْرِ ذِي الْبَالِ عِنْدَ عَدَمِ مُنَافٍ لِلتَّعْظِيمِ كَمَا هُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>