بِسَبَبِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأُمُورٍ وَعَوَاقِبِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوْ قُدِّرَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِعَوَاقِبِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَثُرَتْ لَك النَّظَائِرُ لِتَسْتَيْقِظَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَسِرِّ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَيَنْدَفِعُ السُّؤَالُ وَهُوَ مَوْضِعٌ حَسَنٌ.
(فَائِدَةٌ) أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْقَوْلَ بِأَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَيْ الْبِرِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا «قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوك» وَرُوِيَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَرُوِيَ ثَلَاثًا فَعَلَى رِوَايَةِ مَرَّتَيْنِ قَالُوا: يَكُونُ لَهَا ثُلُثُ الْبِرِّ وَعَلَى رِوَايَةِ ثَلَاثَةٍ يَكُونُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْبِرِّ لِأَنَّ الْأَبَ جَاءَ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ وَهَذَا يُعْتَقَدُ أَنَّهُ سَهْلٌ وَلَيْسَ بِالسَّهْلِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ أَيُّ النَّاسِ أَحَقُّ إنَّمَا سَأَلَ عَنْ أَعْلَى الرُّتَبِ فَلَمَّا أُجِيبَ عَنْهَا عَرَفَهَا الرُّتْبَةَ الْعَالِيَةَ فَأَخَذَ يَسْأَلُ عَنْ الرُّتْبَةِ الَّتِي تَلِيهَا بِصِيغَةِ ثُمَّ الَّتِي لِلتَّرَاخِي الدَّالَّةِ عَلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي عَنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فِي الْبِرِّ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ: أُمُّك فَلَا يَكُونُ هَذَا الْجَوَابُ مُطَابِقًا حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْ الْأُولَى وَكَذَلِكَ الْأَجْوِبَةُ الَّتِي بَعْدَهَا بِتِلْكَ الرُّتَبِ الْمُجَابِ بِهَا وَكَمَا وَجَبَ نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى وَجَبَ أَيْضًا نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ عَمَلًا بِثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَاخِي وَالنُّقْصَانِ ثُمَّ رُتْبَةُ الْأَبِ تَكُونُ أَخْفَضَ الرُّتَبِ وَأَقَلِّهَا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا تَكُونُ رُتْبَةُ الْأَبِ مُشْتَمِلَةً عَلَى ثُلُثِ الْبِرِّ إذْ لَوْ اشْتَمَلَتْ لَكَانَتْ الرُّتَبُ مُسْتَوِيَةً.
وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَنَّ الْأَخِيرَةَ أَقَلُّ مِمَّا هُوَ أَقَلُّ وَأَنَّهُ يَجِبُ نُقْصَانُ كُلِّ رُتْبَةٍ فَضْلًا عَمَّا قَبْلَهَا فَيَتَعَيَّنُ نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الْأَخِيرَةِ بِمَقَادِيرَ عَدِيدَةٍ عَنْ الرُّتْبَةِ الْأُولَى بَعْدَ تَعَدُّدِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ فَيَكُونُ نَصِيبُ الْأَبِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ بِمِقْدَارَيْنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَثَلَاثِ مَقَادِيرَ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ فَيَكُونُ نَصِيبُ الْأَبِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ وَأَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ قَطْعًا فَيَبْطُلُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ ثُلُثُ الْبِرِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ الْبِرِّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بَلْ أَقَلُّ بِكَثِيرٍ وَكَمَا وَجَبَ نُقْصَانُ الْأَبِ عَنْ الرُّبُعِ أَوْ الثُّلُثِ وَجَبَ أَيْضًا أَنْ لَا يُقَالَ: لِلْأُمِّ ثُلُثَا الْبِرِّ أَوْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِأَنَّ الْأَنْصِبَاءَ الْمَضْمُومَةَ إلَيْهَا مُخْتَلِفَةُ الْمَقَادِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا قَالُوا أَنْ لَوْ كَانَتْ الْمَقَادِيرُ مُسْتَوِيَةً فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَعْدَ تَسْلِيمِ بُطْلَانِ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ؟ قُلْت: ذَلِكَ عَسِيرٌ عَلَيَّ وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَيَسَّرُ لِي إيرَادُ السُّؤَالِ أَمَّا تَحْرِيرُ الْمِقْدَارِ فَلَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ ثُمَّ اقْتَضَتْ أَصْلَ النُّقْصَانِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي النُّقْصَانِ يَحْصُلُ بِهَا التَّرَاخِي بِثُمَّ أَمَّا مَا مِقْدَارُ ذَلِكَ الَّذِي بِهِ حَصَلَ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِي بَلْ جَزَمْت بِالتَّفَاوُتِ فَقَطْ فَإِنْ تَيَسَّرَ الضَّبْطُ فِي ذَلِكَ فَاضْبِطْهُ.
فَإِنْ قُلْت: ثُمَّ حَرْفُ عَطْفٍ تَقْتَضِي مَعْطُوفًا وَمَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَعَنَا قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا إلَّا كَلَامٌ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى نَفْسِهَا فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالْقَاعِدَةُ الْعَرَبِيَّةُ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ قُلْت أَيْضًا: هَذَا سُؤَالٌ مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَتَحْرِيرٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ ثُمَّ إنَّ السَّائِلَ إنَّمَا سَأَلَ عَنْ غَيْرِ الْأُمِّ وَالتَّرَاخِي عَنْهَا فِي الرُّتْبَةِ فَكَيْفَ أُجِيبَ بِالْأُمِّ وَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ التَّرَاخِيَ عَنْ الْأُمِّ فِي الْبِرِّ هُوَ لِلْأُمِّ حَتَّى يَحْصُلَ الْجَوَابُ بِهِ وَهَذَا أَيْضًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَطَلَبُهَا لِلْكَنِيفِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِذِي بَالٍ وَمُنَافٍ لِلتَّعْظِيمِ إمَّا لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَحَلٌّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ يَكُونُ ذَا بَالٍ كَمَا لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ عِبَادَةَ.
وَإِمَّا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا حِينَئِذٍ التَّحَصُّنُ مِنْ الْجِنِّ وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ يَأْتِي بِهَا عِنْدَ كَبِّ الْمَاءِ وَالتَّفِلَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ التَّحَصُّنَ وَالتَّبَرُّكَ لِنَفْسِهِ لَا لِكَبِّ الْمَاءِ وَلَا لِلتَّفِلَةِ صَوْنًا لِاقْتِرَانِ اسْمِهِ تَعَالَى بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا لِلْخَادِمِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ فِي قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَجَازَتْ كَتَعَوُّذِ بِنَفْلِ عَدَمِ تَأَكُّدِ الطَّلَبِ وَنَفْيِ الْكَرَاهَةِ فَلَا يُنَافِي نَدْبُهَا وَكَوْنُ الْإِتْيَانِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَلَا ثَوَابَ لَهُ بَعِيدٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ اهـ بِتَلْخِيصٍ وَتَوْضِيحِ مَا وَحَذْفٍ وَظَاهِرُهُ كَرَاهَتُهَا فِي الْمَكْرُوهِ مُطْلَقًا وَحُرْمَتُهَا فِي الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبَسْمَلَةُ شُرِعَتْ فِي غَالِبِ ذَوَاتِ الْبَالِ أَصَالَةً أَوْ لِعَارِضِ قَصْدِ التَّحَصُّنِ وَالتَّبَرُّكِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَا عَدَا نَحْوَ الصَّلَوَاتِ مِمَّا جَعَلَ الشَّارِعُ مَبْدَأَهُ بِغَيْرِهَا وَمَا عَدَا الذِّكْرَ الْمَحْضَ وَغَيْرَ ذَوَاتِ الْبَالِ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ كَانَا لِعَارِضٍ وَنَحْوَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْأُمُورِ الْخَسِيسَةِ وَلَمْ تُشْرَعْ فِي سِتَّةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ نَحْوُ الصَّلَوَاتِ مِمَّا جَعَلَ الشَّارِعُ مَبْدَأَهُ بِغَيْرِهَا وَالثَّانِي الذِّكْرُ الْمَحْضُ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ وَلَوْ كَانَا لِعَارِضٍ وَالْخَامِسُ الْأُمُورُ الْخَسِيسَةُ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا وَعَدَمِ قَصْدِ التَّحَصُّنِ وَالتَّبَرُّكِ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا رَجَعَتْ بِذَلِكَ لِذَوَاتِ الْبَالِ وَالسَّادِسُ نَحْوُ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ مِمَّا أُبِيحَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ وَلَا مِنْ ذَوَاتِ الْبَالِ وَحُكْمُهَا فِيمَا شُرِعَتْ فِيهِ مِنْ ذَوَاتِ الْبَالِ تَأَكُّدُ النَّدْبِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلسُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ عَلَى مَا مَرَّ، وَمِنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ لِعَارِضٍ لِمَا عَلِمْت وَفِي نَحْوِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَالذِّكْرِ الْمَحْضِ الْكَرَاهَةُ وَفِي الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا عِنْدَنَا أَوْ لِذَاتِهِ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ أَبَاحَتْهُ الضَّرُورَةُ التَّحْرِيمُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَفِي الْمَكْرُوهِ مُطْلَقًا عِنْدَنَا أَوْ لِذَاتِهِ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ أَبَاحَتْهُ الضَّرُورَةُ الْكَرَاهَةُ نَعَمْ الْحُرْمَةُ عِنْدَنَا فِي الْمُحَرَّمِ لِعَارِضٍ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ أَخَفُّ مِنْهُمَا فِي الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ وَالْمَكْرُوهِ فَافْهَمْ وَفِي الْأُمُورِ الْخَسِيسَةِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا خِلَافُ الْأَوْلَى صَوْنًا لِاقْتِرَانِ اسْمِهِ تَعَالَى بِالْمُحْتَقَرَاتِ وَمَعَ قَصْدِ التَّحَصُّنِ وَالتَّبَرُّكِ لِنَفْسِهِ النَّدْبُ لِرُجُوعِهَا لِذَوَاتِ الْبَالِ بِذَلِكَ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى نَحْوُ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَإِنْ لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِ الذِّكْرِ النَّدْبُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَكَّدْ إلَّا فِي ذَوَاتِ الْبَالِ فَافْهَمْ.
٢ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute