للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشْكَالٌ آخَرُ وَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: هَذَا عَطْفٌ وَكَلَامٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى كَأَنَّ السَّائِلَ لَمَّا قِيلَ لَهُ: أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ أُمُّك قَالَ: فَلِمَنْ أَتَوَجَّهُ بِالْبِرِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَشْتَغِلُ بِهِ قِيلَ لَهُ أَيْضًا لِأُمِّكَ فَقُوبِلَ مَا فُهِمَ مِنْهُ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأُمِّ بِالْأَمْرِ بِالْمُلَازَمَةِ إظْهَارًا لِتَأْكِيدِ حَقِّهَا فَقَالَ: إذَا تَوَجَّهْت أَيْضًا إلَيْهَا وَفَرَغْت فَلِمَنْ أَتَوَجَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا فَقِيلَ لَهُ: أُمُّك فَقُوبِلَ أَيْضًا مَا فُهِمَ مِنْهُ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأُمِّ بِالْبِرِّ وَالْمُلَازَمَةِ إظْهَارًا لِتَأْكِيدِ حَقِّهَا فَصَارَتْ الْأُمُّ مَعْطُوفَةً عَلَى نَفْسِهَا بِنِسْبَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إلَى رُتْبَتَيْنِ مُتَبَايِنَتَيْنِ فَهِيَ بِقَيْدِ الرُّتْبَةِ الدُّنْيَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى نَفْسِهَا بِقَيْدِ الرُّتْبَةِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ إذَا أُخِذَ مَعَ وَصْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ صَارَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ ابْنٌ وَأَخٌ وَفَقِيهٌ وَتَاجِرٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا أُخِذَ مَعَ الْمُخْتَلِفَاتِ صَارَ مُخْتَلِفًا فَهَذَا السِّرُّ هُوَ الْمُحْسِنُ لِلْعِطْفِ وَإِعَادَةِ الْأُمِّ فِي الرُّتَبِ وَهَذَا الْحَدِيثُ كَمَا تَرَى فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ الْقَلِقِ وَالْإِشْكَالِ مَعَ أَنَّهُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ ظَاهِرًا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ فَإِذَا اُخْتُبِرَ خَرَجَ مِنْهُ غَرَائِبُ.

(فَصْلٌ) إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ وَهَذِهِ الْمَبَاحِثُ ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْأَجَانِبِ وَالْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ مَا يَجِبُ لِلْأَجَانِبِ يَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ وَضَابِطُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْوَالِدَانِ دُونَ الْأَجَانِبِ هُوَ اجْتِنَابُ مُطْلَقِ الْأَذَى كَيْفَ كَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الِابْنِ وَوُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي تَرْكِ النَّوَافِلِ وَتَعْجِيلِ الْفُرُوضِ الْمُوَسَّعَةِ وَتَرْكِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُمْ فِيهِ وَإِنْ نُدِبَ إلَى طَاعَتِهِمْ وَبِرِّهِمْ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الْأَجَانِبُ يُنْدَبُ بِرُّهُمْ مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّ النَّدْبَ فِي الْأَبَوَيْنِ أَقْوَى فِي غَيْرِ الْقُرَبِ وَالنَّوَافِلِ وَلَا نَدْبَ فِي طَاعَةِ الْأَجَانِبِ فِي تَرْكِ النَّوَافِلِ بَلْ الْكَرَاهَةُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَأَمَّا مَا يَجِبُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ فَلَمْ أَظْفَرْ فِيهِ بِتَفْصِيلٍ كَمَا وَجَدْتُ تِلْكَ الْمَسَائِلَ فِي الْأَبَوَيْنِ بَلْ أَصْلُ الْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَدَرْت عَلَيْهِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَقَدْ رَأَيْتُ جَمْعًا عَظِيمًا عَلَى طُولِ الْأَيَّامِ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيرُ ذَلِكَ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَالْغَرَرُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ) وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ فَمَنَعَ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْخُلْعِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَالْغَرَرُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَحْرِيرِ هَذَا الْفَرْقِ بِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ وَبَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ الأنبابي فِي تَقْرِيرَاتِهِ عَلَى بَاجُورِيّ السُّنُوسِيَّةِ: يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ وَالْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ تَحْرِيمُهُ وَكَرَاهَتُهُ لِعِلَّةٍ يَدُورُ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا وَالْمُحَرَّمِ لِعَارِضٍ وَالْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ مَا كَانَ تَحْرِيمُهُ وَكَرَاهَتُهُ لِعِلَّةٍ يَدُورُ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا فَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنْ قَبِيلِ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الزِّنَا لَا يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ اخْتِلَاطُ الْأَنْسَابِ وُجُودًا وَعَدَمًا إذْ قَدْ تَنْتِفِي الْعِلَّةُ وَيُوجَدُ التَّحْرِيمُ كَمَا إذَا وَطِئَ رَجُلٌ صَغِيرَةً.

وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ شُرْبِ الْخَمْرِ لَا يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ الْإِسْكَارُ إذْ قَدْ يَنْتَفِي الْإِسْكَارُ وَيُوجَدُ التَّحْرِيمُ كَمَا إذَا اعْتَادَ الشَّخْصُ شُرْبَ الْخَمْرِ بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَقْلِهِ شَيْءٌ أَوْ شَرِبَ قَدْرًا لَا يُسْكِرُ وَالْوُضُوءُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ لِعَارِضٍ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا وُجُودًا وَعَدَمًا وَالنَّظَرُ لِفَرْجِ الْحَلِيلَةِ مِنْ قَبِيلِ الْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ لَا تَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ خَوْفُ الطَّمْسِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إذْ قَدْ تَنْتِفِي الْعِلَّةُ وَتُوجَدُ الْكَرَاهَةُ كَمَا إذَا أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ طَمْسٌ إذَا نَظَرَ لِفَرْجِ حَلِيلَتِهِ وَالْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ مِنْ الْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ لِأُنِرَ كَرَاهَتَهُ تَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ خَوْفُ الْبَرَصِ وُجُودًا وَعَدَمًا فَإِذَا امْتَنَعَتْ الْعِلَّةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَشْمِيسُهُ فِي نُحَاسٍ أَوْ كَانَ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ الْقُطْرُ حَارًّا انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ لَا يُعْقَلُ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِمَا وَبَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ لِأَنَّهُ إذَا نُظِرَ لِلشُّرْبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَجَائِزٌ وَإِنْ نُظِرَ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِالْخَمْرِ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا أَنَّهُ إنْ نُظِرَ لِلْوُضُوءِ فِي ذَاتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ نُظِرَ لِكَوْنِهِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِمَا مَا كَانَ تَحْرِيمُهُ وَكَرَاهَتُهُ لَا لِعِلَّةٍ وَلَا لِعَارِضٍ مَا كَانَ مَا ذُكِرَ لَهَا وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ لِلْكُلِّ عَدْلًا وَلَا فَرْقَ اهـ بِتَوْضِيحِ وَتَغْيِيرِ مَا وَتَمْثِيلُهُ لِلْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ بِالنَّظَرِ لِفَرْجِ الْحَلِيلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَمُبَاحٌ فَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ مَعَ شَرْحِهِ وَحَوَاشِيهِ وَحَلَّ بِالْعَقْدِ أَيْ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ غَيْرَ الْإِيلَاجِ بِدُبْرٍ مِنْ نَظَرِ فَرْجٍ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: نَظَرُ الْفَرْجِ يُورِثُ الْعَمَى نَعَمْ الْأَكْمَلُ خِلَافُهُ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -

<<  <  ج: ص:  >  >>